آثار العصر الحجري القديم بالرياض في المملكة العربية السعودية.
	 
	تفيد الأبحاث الحقلية والمخبرية بأن أقدم آثار للإنسان في منطقة الرياض تعود إلى العصر الحجري القديم الأوسط (الفترة الآشولية الوسيطة)، وذلك حسب ما يتمثل من مواد آثارية في مواقع وادي صفاقة في الدوادمي  . ويعني هذا التاريخ أن الإنسان لم يصل إلى منطقة الرياض إلا بعد دخوله إلى الجزيرة العربية بأكثر من مليون سنة تقريبًا، إذ إن أقدم مواقع الإنسان في المملكة العربية السعودية تؤرخ بـ1400 - 1300 مليون سنة، وهو موقع الشويحطية الواقع إلى الشمال من مدينة سكاكا في منطقة الجوف   أو مواقع شعيب دحضة في نجران  .  فحسبما توصلت إليه نتائج دراسة أقدم المواقع، فإن الإنسان قدِم إلى المملكة العربية السعودية من منشأه الأول وموطن انتشاره في القارة الإفريقية عبر طريقين: الطريق الأول يمر على طول وادي الأخدود، ثم عبر المنخفض الإفريقي وإلى مضيق باب المندب، ثم عبره إلى جنوب الجزيرة العربية. وربما أنه سلك الطريق الطويل (الثاني) عبر اليابسة بمحاذاة وادي النيل من الهضبة الإثيوبية، ثم شرقًا عبر شبه جزيرة سيناء وإلى قارة آسيا. ومن المحتمل أن يكون الإنسان قد سلك الطريقين معًا، أو سلك واحدًا قبل الآخر 
	 
	وبمقتضى طبيعة حياة الإنسان خلال تلك الأزمنة السحيقة التي اعتمد في معيشته على الصيد والتقاط الثمار، فإن الباحثين يفترضون إمكانية انتشار الإنسان في الجزيرة العربية عبر جبال السروات، حيث توجد الأودية العميقة، والبحيرات، والأغطية النباتية، والثروة الحيوانية التي توفر للإنسان مستلزمات البقاء والحياة المعيشية. ومنها بدأ الإنسان ينتشر في الجزء الغربي من منطقة الرياض، وفي المناطق التي تكثر فيها التلال والحافات الجبلية الموفرة لشلالات المياه التي تكوّن بما تنقله من ماء، بحيرات عاشت على جوانبها النباتات والحيوانات التي اعتمد عليها إنسان ذلك العصر اعتمادًا كليًا في حياته اليومية.
	 
	وتفيد الدراسات الميدانية أن الإنسان استفاد من الثروتين النباتية والحيوانية، واستفاد أيضًا من مكونات تلك المناطق الطبيعية، وبخاصة توظيف صخور تلك المناطق في صناعة الأدوات والأسلحة التي كان إنسان ذلك الوقت في حاجة إليها؛ فقد عُثر بالقرب من مواقع وجود الإنسان على عدد من المواقع التي تمثل ورش عمل وأمكنة تصنيع للأدوات استدلالاً بما وجد فيها من أدوات غير مكتملة الصنع، وشظايا ناتجة عن صناعة أدوات يُعرف أنها كانت تستخدم في صناعة الأدوات الأخرى  
	 
	ولم يغفل الإنسان حاجاته الأخرى عند اختيار أمكنة وجوده وتجواله؛ فحرص على أن تتوافر فيها مميزات طبيعية للاستفادة منها. ومن أوضح الأمثلة على ذلك الاستثمار ما يمكن أن يلاحظ في مواقع وادي صفاقة في محافظة الدوادمي، فحول البحيرة التي توجد المواقع بالقرب منها يوجد عدد من المصاطب المتدرجة على الشلالين اللذين يغذيان البحيرة، وترتفع المصاطب من 25 - 30م عن مستوى السهل المحيط. وقد اتخذ الإنسان من هذه المصاطب أمكنة لمراقبة الحيوانات في حالة ورودها الماء وفي حالة صدورها عنه، ولعل ما يشهد على استغلال الإنسان لهذه المصاطب مجموعات من الأدوات الحجرية التي وجدت منتشرة عليها  .  فكان الإنسان يراقب من مكانه هذا تلك الحيوانات ليتمكن من أن يكمن لها في أمكنة مرورها، وينقض عليها بأسلحته البدائية، إن كانت بطيئة الحركة، وإن كانت الحيوانات سريعة الحركة فإنه يعمل لها المصائد أو الكمائن المتمثلة بتكوين عدد من الأشخاص كمينًا يغلق الطريق على الحيوان حيث لا يكون له طريق ينفذ منه فيتم صيده، كما أن الفرصة مهيأة لصيد صغار الحيوانات التي تنقصها السرعة والمهارة في الهروب عند ورودها الماء مع القطيع.
	 
	يُعَدُّ العصر الحجري القديم جزءًا من فترة البلايوستوسين، ويشغل المليوني سنة الأخيرة من عمر تلك الفترة، وهو أقدم العصور التي عُثر خلالها على ما يدل على وجود الإنسان في منطقة الرياض متمثلاً فيما عثر عليه من أدوات حجرية منقولة من مكان إلى مكان آخر لغرض الاستخدام، ويبدو من هيئتها الطبيعية أنها صالحة للاستخدام للقطع أو للطرق أو لقذف الثمار من أجل إسقاطها. وتطوّر الإنسان في أساليب حياته خلال هذا العصر من مستخدم للأدوات التي يجدها في الطبيعة مناسبة لقبضة يده وتحقيق هدفه، إلى أن أصبح صانعًا لها بدافع الحاجة، مرورًا بعدد من منحنيات التطوير في التقنية والحجم ودرجة الأداء. واستنادًا إلى منحنيات تطور تعامل الإنسان مع الحجر كمادة صناعة رئيسة إلى جانب العظم والخشب قسم الباحثون العصر الحجري القديم إلى ثلاثة أقسام رئيسة، هي:
	 
	 العصر الحجري القديم الأسفل: يبدأ قبل مليوني سنة وينتهي قبل 70000 سنة من الوقت الحاضر.
	 
	 العصر الحجري القديم الأوسط: يبدأ قبل 70000 سنة وينتهي قبل 35000 سنة من الوقت الحاضر.
	 
	 العصر الحجري القديم الأعلى: يبدأ قبل 35000 سنة وينتهي قبل 17000 سنة من الوقت الحاضر.
	 
	وبالنسبة إلى العصر الحجري القديم الأسفل فقد عُثر على مادة آثارية تعود إلى هذه الحقبة في مواقع صفاقة في محافظة الدوادمي بمنطقة الرياض. أما العصران الحجريان القديمان الأوسط والأعلى، فقد عثر على مواد آثارية في عدد من المواقع تعود إليهما. ويقتصر النشاط الآثاري المنفذ فيما يخص العصر الحجري القديم على مسوحات ميدانية جاءت من ضمن برنامج المسح الآثاري الشامل لمسح مناطق المملكة العربية السعودية التي جاء عرضها في مستهل هذا الباب، وعلى حفريات آثارية نفذت في موقعين بوادي صفاقة في محافظة الدوادمي.