حفلت سيرة النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بأحداثٍ كثيرة ومواقف متنوعةٍ في مناحٍ وجوانب شتى، وفي مواضيع وقضايا مختلفة -من عقيدة وعباداتٍ ومعاملاتٍ وأمور حياتيَّة- غايتها مجتمعةً الرقي بالمجتمع الإسلاميّ، وتهذيبه، وضبط سلوكاته وأخلاقياته، والدّالّ على ذلك قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ( إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)؛ فزخرت الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة بقدَرٍ عظيمٍ من الترغيب على حُسْنِ الخُلُق، والذَّم والترهيب من سوء الخُلُق وذمّه، ومن بين الأخلاق المذمومة والمنهي عنها الظُّلم، وفي ما يلي تعريفٌ للظُّلم، وبيانٌ لأنواعه، وتعدادٌ لجملةٍ من الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة التي تناولته وبيَّنت عواقبه ومساوئه.
الظُّلم في اللّغة جذره ظَلَم، فالظّاء واللام والميم أصلان صحيحان؛ أحدهما يدلُّ على ضدّ الضِّياء والنور، والثَّاني دالّ على وضع الشيء في غير موضعه تعدِّياً وتجاوزاً، وهو المعنى المراد في هذا المقال.
الظُّلم في أصله وضع الشيء في غير موضعه، ومنه المثل العربي: (من استرعى الذئب ظلم)؛ أي من جعل الذئب راعٍ للغنم فقد ظلم الغنم لما سيحلُّ بهنَّ، أو ظلم الذِّئب لتحميله ما لا يطيقه طبعه.
يتقاطع معنى الظُّلم في الاصطلاح مع معناه اللغويّ؛ فقد عرَّفه الجرجانيُّ بذات معناه اللغوي: (وضع الشيء في غير موضعه)، وزاد عليه بأنَّه في الاصطلاح الشرعيِّ بمعنى التَّعدي عن الحقِّ إلى الباطل، والتَّصرف في ما يملكه الآخرون بغير حقٍّ، ومجاوزة الحدِّ، وهو رديفٌ للجُور.
جاءت أحاديث نبويَّةٌ شريفةٌ كثيرة تتحدث عن الظُّلم وتبيِّن حرمته وتحذِّر منه، ومنها ما نصَّ على الظُّلم بلفظه، ومنها ما تحدَّثت عن صورٍ وأمثلةٍ له.
جاءت بعض الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة تتحدَّث وتذكر بعض صور وأشكال الظُّلم دون النَّص الصَّريح على لفظة الظُّلم فيها، لكنَّها داخلةٌ تحت تعريف الظُّلم، ومنها على سبيل المثال:
موسوعة موضوع