جعل الله -سبحانه وتعالى- الموت والحياة ابتلاءً للإنسان ليُحسن عمله ويستعدّ للقاء ربه، وكتب الله -عزّ وجلّ- الموت على كلّ نفس، فكلّ من على الأرض فانٍ وكلّ شيء في الكون هالك لا محالة؛ إلّا الله -سبحانه وتعالى- ومن رحمة الله -تعالى- أن جعل للإنسان بعد موته سُبلاً لاستمرار الأجر والثواب، ومن ذلك الدعاء للميت، والإسلام دين الوفاء يُعلّم أتباعه حُسن العِشرة والصحبة حتى بعد وفاة القريب والصاحب، فالفقدُ مؤلم ومحزن وأهل الميت وأحبابه يستأنسون بالدعاء له ويستشعرون بذلك صلتهم بالله تعالى، وقد أقرّت الشريعة الدعاء لأموات المسلمين، وهي سُنّة حميدة في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فكيف ندعو للميت؟ وما فضل الدعاء وأثره على الميت؟
تتعدّد مواقف الدعاء للميت وتتنوّع صيغ الدعاء له، فصلاة الجنازة محلّ مشروع للدعاء، وكذلك بعد الفراغ من الدّفن يدعو المُعزّون له، كما يُستحبّ الدعاء للميت من أبنائه وذريّته، ولا يُشترَط الدعاء للميت عند قبره، وبيان ذلك حسب ما يلي:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو للميت في صلاة الجنازة بالرحمة والمغفرة والعفو، وأن يُكرمه الله -سبحانه وتعالى- ويوسّع دخول الميت في قبره، وأن يتغمّده برحمته فيُنقّيه من خطاياه، فكان من دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- للميت: (اللهمّ اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرِم نُزله وأوسع مُدخلَهُ واغسلْهُ بالماء والثلج والبَرد ونقِّه من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس)، وثبت أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلّى على الجنازة دعا للحيّ والميت والشاهد والغائب والصغير والكبير والذكر والأنثى، فيقول: (اللهمّ اغفر لحيِّنا وميِّتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرِنا وذكرنا وأنثانا)، والأفضل الدعاء للميت بما أُثِر من الأدعية ولا حرج من الدعاء بغيرها من الأدعية ممّا يفتح الله به على المصلّي؛ لما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إذا صلَّيتم على الميت فأخلصوا له الدعاء).
يُستحبّ الدعاء للميت بالمغفرة والرحمة ولأهله بالأجر والصبر، ويجوز الدعاء بكلّ ما ينفع، مثل ما اشتهر على ألسنة النّاس قولهم: (أعظم الله أجرك، وأحسن الله عزاك، وغفر لميتك)، وليس في التّعزية لفظ مخصوص بل يقول ما يظنّ أنّه يخفّف عنهم مصابهم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُصبّر أهل الميّت ويذكّرهم بأنّ مرجِع جميع النّاس إلى الله -سبحانه وتعالى- فيقول: (إنّ لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمّى).
يُستحبّ الدعاء لأموات المسلمين بشكلٍ مطلقٍ دون الإلزام بصِيغٍ مُحدّدةٍ، وهو أفضل ما يُنتفع به الميت، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، مع أفضلية الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ إنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أُوتيَ جوامع الكَلم ولا يأتي أحد بأفضل ممّا جاء به، وما ورد من أدعية لصلاة الجنازة فيجوز الدعاء بها خارج صلاة الجنازة، فلا يُشترَط تخصيصه في صلاة الجنازة، وتدور الأدعية المأثورة بالثناء على الله -سبحانه وتعالى- فهو أهل للرحمة والمغفرة، والدعاء للميت بمحو الذنوب وإكرام إقباله على الله تعالى، وأن يَقِيه المولى -سبحانه- من فتنة عذاب القبر والنار، ويبتهل المسلم إلى الله -سبحانه وتعالى- أن يُبارك بحسنات الميت وأن يتجاوز عن سيئاته، فهو الغفور الرحيم.
موسوعة موضوع