الشعر الشعبي في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الشعر الشعبي في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الشعر الشعبي في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
منطقة نجران حافلة بالشعر الشعبي الجيد الذي يحفظه الناس ويُلقونه في اجتماعاتهم ومسامراتهم، فإلى جانب ما تقدم من الشعر الذي يُقال أثناء أداء الرقصات الشعبية برز في المنطقة شعراء كثيرون، ومن شعراء نجران المشهورين بنيان بن مهذل الصقور، وقد تُوفي قبل قيام الدولة السعودية بزمن طويل، وقد حدثت جفوة بينه وبين أبنائه محمد وحسين وعلي، وأدى ذلك إلى رحيلهم إلى اليمن وانضمامهم إلى إحدى القبائل ومحاربتهم في صفوفها، وكان لهم دور بارز في ذلك، وقد قطعوا على أنفسهم عهدًا بعدم قراءة أي رسالة تصلهم من والدهم، ولكن وقعت آخر رسالة في يد أصغرهم فقرأها فوجد فيها أن والدهم على فراش الموت، فأطلع إخوانه عليها، وبعد قراءتها توجهوا إلى نجران، ولكن والدهم تُوفي قبل وصولهم، وكانت الرسالة قصيدة موجهة من الوالد إلى أبنائه، وهي كما يأتي:  
 
يـا  اللـه يـا خالق سبع السماوات     فـي  سـتة أيـامٍ تقـوَّى عمدهـا
يـا  نـافخ الصور في كل من مات     محـيي العظـام الفانيـة من لحدها
يـا جـاعلٍ في الجو نورٍ واشارات     منهـا  القمر والشمس تجري جهدها
ارسـلك يا ذا الطير تعطي رسالات     تنصـا صقــورٍ عاليـاتٍ فندهـا
تنصـا  ثمـر  قلبـي وثنِّ التحيات     أعـداد  مـا  حـنتم علينـا رعدها
تنصـا  محـمد زبن خيلٍ مشيحات     حـامي  عقار الخيل لا شي ضهدها
مـن  فوق صفرا طمرها فيه زمَّات     تشـبه الفـرد من الوضيحي وحدها
وان جـات شـلات وقسـام رايات     مـا  هوب من ينسى إذا جا رصدها
أوحيت عنـدي تـالي الليـل ونَّات     ومـا شـفت انـا عندي فهيمٍ نقدها
قـد طـالت الغربـة وطال التلفَّات     وابيـك يبغـي سـمرةٍ قـد فقدهـا
والوالد في بداية قصيدته يناجي ربه ويذكر بعض صفاته سبحانه وتعالى، ثم يناجي الطير الذي سوف يرسله برسالة إلى أبنائه الذين يشبهون الصقور في جرأتهم وشجاعتهم، وذكر أنهم ثمر قلبه أي فلذة كبده، وطلب تحيتهم بعدد ما (يحنتم) الرعد أي يزمجر، وطلب منه أن يتجه إلى محمد الخيَّال الشجاع، حامي الذمار والديار، وشبَّه خيله الصفراء بغزال الوضيحي، وذكر أنه لا يتغيب عند نشوب قتال ومنازلة، ويطلب منه أن يخبر محمدًا أنه يعاني مرضًا قد يودي بحياته، وأن مَن حوله لا يدركون ذلك، وأنه يرغب في رؤيتهم بعد أن طالت غربتهم ليستعيد معهم المسامرة التي فقدها برحيلهم عنه.
وعندما علم الأبناء بوفاة والدهم حزنوا حزنًا شديدًا، وأسفوا على فراق والدهم وهو حي، وتأثروا لفقده تأثرًا شديدًا، وقد عبَّروا عن ذلك في أبيات قالوها، فمما قاله الابن الأكبر محمد:
 
وجدي على ابي وجد من ابله زيانٍ صورها     ويـروح مـع البـدوان يتبـع خضرهـا
وتصادفــه  قــومٍ كبــارٍ غررهــا     راحــت  علــى ذوده تطـرح غناهـا
أي أسفي على أبي كأسف صاحب إبل جميلة وأصيلة كان يرعاها مع سكان البادية ويتبع بها مواطن الكلأ الأخضر، ثم هجم عليه قوم كبار الأجسام فسلبوها منه، وهربوا بها وهم يغنون خلفها.
أما ابنه الأوسط حسين فقد قال:
 
وجدي على ابي وجد من ماله يلذع بمحراق     أو وجـد مـن فعلـه شـظا مخـة الساق
أو  وجــد مـن جـدره يـدهق بدهـاق     ربعــه  قليـل وان خـرج مـا حماهـا
أي أسفي وحزني على أبي يشبه مَن فقد ماله ورأى غيره يحرث مزارعه، أو من كُسرت ساقه وخرج مخها، أو من هُدم منـزله وليس لديه من يساعده في حمايته لقلة قومه وضعفهم.
أما الابن الأصغر علي فقد قال في رثاء أبيه:
 
قـال  ابـن مهـذل هـاض زين القصايد     مثــل  التمـر مـن مهدبـات الجـرايد
والعين من كثر البكا نجح ماها
 
لا  وغد (1) يـا جمَّاعنـا (2) فـي الأشاوير     لمــا  التقينــا  حضرنـا والخطـاطير
كم حجة الصاحب كفل في وفاها
 
لا  وغـد يـا اللـي مـن كبـار الخساير     لا  وغد يـا اللـي مـن الفسالات (3) ناير
لك فرضةٍ ما عاد حيٍّ نطاها
(1) لا وغد: عبارة تأسٍّ. (2) جمَّاعنا: جامعنا. (3) الفسالات: الأمور الدنيئة.
 
فهو يقول: إنه ينشد قصائد جميلة تشبه التمر عندما يأتي من النخيل مباشرة، ويمدح والده الذي كان يجمع القوم للمشورة عندما يلتقي القوم حضرهم وبدوهم، وكان والده ذا حجة قوية وشور نافذ، ويَعُدُّ موت والده من أكبر الخسائر، فهو كان يكره الأمور الدنية، وكان عطاؤه كبيرًا لا يشبهه عطاء أحد من الأحياء.
 
ومن شعراء نجران الشعبيين حسين بن دوحان آل سالم، وقد تُوفي قبل نحو أربعين عامًا، وله قصائد في أغراض الشعر المختلفة، ونورد له قصيدة قالها عندما همَّ والده بذبح إحدى إبله صدقة، وكان يحب تلك الناقة، وكانت مع الإبل في مراعيها، فأرسله والده مع شخص آخر من جماعته للبحث عنها وإحضارها، وبعد أن عزلاها عن بقية الإبل أخذت تلك الناقة ترغو (تحن)، وكأنها تندب حظها وتشعر بما يُراد بها، وأثر ذلك في الشاعر فرفض أن يذهب بها مع صديقه إلى والده، وأنشد يقول:  
 
يا  اللـه  وانـا طـالبك خـير الطلايـب     لــي تمنَّــى الممتنــي كـثَّر مناهـا
بــاطلبك  بالســتر والحـال الجـايب     منحــل الجنــة لنفسٍ فــي وفاهــا
بــادي حـل الضحـى والقلـب ذايـب     صـــايم والكبــد يبــاسٍ عراهــا
جيتهــا  وابليس جــاني بالمصــايب     التهمــت أماتهــا داجــت وراهــا
دمـع  عينــي علــى خـدي هـذايب     ريـت  انـا الفـاطر وبـانت لـي حلاها
ليتهـا مـا جـات مـن قشـع الـزرايب     حـول  معـترض  للـزغن تفـي ضماها
يــا  يبـه  طـالبك تكسـبني الـردايف     بكــرة  مــن ذودنـا يسـهل عطاهـا
طـالبك مـا دامـت البـل لـك ولايـف     لــي  تـوفيت  أنـت جـا كـل يباهـا
طــارحينٍ  دونهــا  حــدّ الرهـايف     عــاد  مـانع قـال يبغـي لـه حداهـا
قــد  كســبها والـدي واللاش خـايف     وقليـل الجـهد مـا اجـهد فـي شـراها
والــردي  يـا جـعل تاطـاه العسـايف     قــد هــل العـيرات ناسـينه وراهـا
 
 مظاهر الثبات والتغير
 
يفتخر أهالي نجران بفنونهم الشعبية المشهورة وخصوصًا الرَّزَفة والزامل ورقصة الطبول، ولا يزالون يؤدونها في احتفالاتهم العامة. أما الأهازيج فقد اندثر معظمها باندثار المناسبات التي كانت تُردد فيها، مثل: الحصاد، والدياس (الكوايد)، والسفر على الرواحل.
 
شارك المقالة:
489 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook