العهد العثماني الأول في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 العهد العثماني الأول في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

 العهد العثماني الأول في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.

 
إنَّ أقدم رواية تاريخية أمكن الوصول إليها عن خضوع المخلاف السليماني للنفوذ العثماني: ما ورد في كتاب (البرق اليماني في الفتح العثماني) - وهي رواية معاصرة لحوادث تلك الفترة - من كون المخلاف ظل تابعًا للشريف أبي نمي بن بركات مدة عامين 943 - 945هـ / 1536 - 1538م  ،  أي حتى عودة سليمان الخادم من حملته إلى بلاد الهند، حيث قام سليمان الخادم بإخراج نائب الشريف أبي نمي من المخلاف، وعين عليه نائبًا من قبله، وزوده ببعض القوات، ثم ربطه بالقائد العثماني في تهامة  ،  ليصبح المخلاف من أوائل بلدان جنوبي الجزيرة العربية التي دخلت في النفوذ العثماني منذ فترة مبكرة لوصول العثمانيين إلى هذه المنطقة.
 
في حين ذكر صاحب (العقيق اليماني) أن سليمان الخادم قبل عودته من جنوبي الجزيرة العربية أسند قيادة القوات العثمانية في تهامة إلى القائد مصطفى غزة  ،  وقد قام مصطفى بإرسال الكشاف إلى سائر بلدان تهامة، ومن ضمن ذلك المخلاف السليماني  .  ولا خلاف بين الروايتين من الناحية الزمنية إذ جعلتا خضوع المخلاف للسيطرة العثمانية في سنة 945هـ / 1538م، لكن الرواية الثانية التي أوردها صاحب العقيق اليماني لم تذكر استيلاء سليمان الخادم على المخلاف السليماني.
 
ويمكن التوفيق بين الروايتين إذ افترض أنَّ إرسال القائد مصطفى غزة كاشفًا من قبله إلى المخلاف كان بناء على أمر وصله من سليمان الخادم بعد إخراجه لوالي الشريف أبي نمي من المخلاف؛ لأنه من غير الوارد أن يرسل مصطفى غزة كاشفًا إلى منطقة لم تخضع بعد للنفوذ العثماني، خصوصًا إذا كانت تابعة للشريف أبي نمي، كما أن الرواية الثانية لم تذكر أي مقاومة للكاشف العثماني الذي أرسل إلى المخلاف، وذلك يؤكد أن المخلاف كان يعيش فراغًا سياسيًا بعد سقوط الإمارة القطبية.
 
وهناك رواية أخرى تذكر أن المخلاف لم يخضع للنفوذ العثماني إلاَّ في سنة 950هـ / 1543م  ،  أي بعد وصول القوات العثمانية إلى هذه المنطقة بست سنوات، وهذه الرواية غير مقبولة؛ لأن التاريخ الذي حددته لخضوع المخلاف للعثمانيين لا يتفق مع سير الحوادث التاريخية في مخلاف جنوبي الجزيرة العربية التي تبعت سنة 945هـ / 1538م؛ إذ لا يمكن السيطرة على تهامة عن طريق البر ما لم تتم السيطرة على المخلاف؛ لأنه مفتاح بلاد جنوبي الجزيرة العربية من الجهة الشمالية، بالإضافة إلى تأخر صاحب هذه الرواية زمنيًا عن هذه الحوادث  ،  كما أنه لم يشر إلى المصدر الذي استقى منه هذه الرواية، بعكس الروايتين السابقتين، فالرواية الأولى: كان صاحبها النهرواني   معاصرًا لهذه الحوادث، والرواية الثانية: ذكر صاحبها النعمان أنه نقلها عن أحد مؤرخي المخلاف المحليين   المعاصرين لحملة سليمان الخادم، وقد قدمت هاتان الروايتان معلومات أكثر دقة وتفصيلاً.
 
أ - المقاومة المحلية للحكم العثماني:
 
كان الوالي العثماني على المخلاف في ذلك الوقت يُعَيَّن من قبل القائد العام للقوات العثمانية في بلاد جنوبي الجزيرة العربية، فيستمد منه الأوامر والتعليمات ويرفع إليه الشكاوى والأموال وغير ذلك، ويكون هذا الوالي مسؤولاً أمام القائد العام عن كل ما يتعلق بالمخلاف  
 
وقد تباينت سياسة الولاة العثمانيين في المخلاف السليماني؛ فمنهم من كانت سيرته حسنة نالت رضى السكان وثناءهم، وكانت لهم بعض المنجزات الحضارية  ،  ومنهم من انصبت اهتماماتهم على محاولة الإثراء على حساب السكان، وأكثروا من السلب والقتل وما شابه ذلك؛ مما أدى إلى نقمة السكان عليهم، وكان الدافع الأساسي سلسلة التمردات التي واجهها الولاة العثمانيون في المخلاف  
 
أما موقف أُسر المخلاف وقبائله من الولاة العثمانيين فلم يسجل كتاب العقيق اليماني - وهو المصدر المحلي الأساس لهذه الفترة - أي حركة تمرد منظمة قامت بها أُسَر المخلاف وقبائله ضد الولاة العثمانيين، وكل ما ذُكِر لا يعد كونه حركة مقاومة وانتقام قام بها الأشراف آل قطب الدين وبنو عمومتهم الأشراف آل الخواجي   ردَّ فعلٍ على تجاوزات بعض الولاة العثمانيين واعتداءاتهم عليهم من وقت إلى آخر، واستيلائهم على أموالهم، أو محاولة زيادة الضرائب عليهم  
 
وعلى الرغم من أنَّ مقاومة أُسَر المخلاف وقبائله للولاة العثمانيين كانت محدودة ومعتمدة على إمكاناتهم الضعيفة إلا أنها نجحت في إلحاق بعض الهزائم بالولاة العثمانيين أكثر من مرة  ،  بل تجاوز الأمر في بعض الأحيان إلى إجلائهم عن المخلاف  ،  وهذا الأمر أقلق القيادة العامة للقوات العثمانية في جنوبي الجزيرة العربية فجعلها تسارع بإرسال بعض الحملات العسكرية لاستعادة المخلاف في حالة فشل الطرق السلمية، كما قامت بعزل بعض الولاة الذين ثبت سوء سلوكهم وإدارتهم وحاسبتهم على ذلك  
 
وقد عانى المخلاف السليماني كثيرًا من الاشتباكات المتعددة بين الولاة العثمانيين والسكان، فأدت هذه الاشتباكات إلى تدمير بعض المعالم الحضارية، مثل: المساجد والقلاع، وأدت أيضًا إلى نـزوح كثير من السكان من بلدانهم إلى البلدان الأخرى طلبًا للأمان والسلامة؛ مما جعل بعض المدن والقرى خالية من السكان في حين اكتظَّت مدن أخرى  
شارك المقالة:
261 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook