يُعدّ الإيمان بالكتب السماوية ركناً من أركان الإيمان الستة، فقد قال الله -تعالى- في محكم التنزيل: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)، ومن مقتضيات الإيمان بالكتب السماوية التصديق بأن تلك الكتب منزلة من عند الله -تعالى- إلى رسله لهداية البشر، وإقامة العدل في الأرض، مصداقاً لقوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)، والإيمان بأن بعض الكتب قد عُلم أسماؤها كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وبعضها لم يُعلم، إذ إن الله -تعالى- استأثر بعددها وأسمائها في علم الغيب عنده.
وللإيمان بالكتب السماوية آثار عظيمة؛ منها استشعار رحمة الله -تعالى- بخلقه، لا سيّما أنه أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم إلى الحق، والعلم بأن الله -تعالى- أقام الحجّة على الأمم السابقة بإنزال الكتب وإرسال الرسل، فقد أنزل الله -تعالى- الصحف على إبراهيم عليه السلام، والزبور على داود عليه السلام، والتوراة والصحف على موسى، والإنجيل على عيسى، وكانت آخر الكتب نزولاً القرآن الكريم الذي أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نُسخت به جميع الكتب السماوية السابقة.
اختلف العلماء في أصل تسمية القرآن الكريم، حيث قال بعضهم بأنه مهموز، أي من أصل كلمة فيها همزة، واختلف أصحاب هذا القول؛ فمنهم من قال أن أصل التسمية من القرء أي الجمع، كما تقول العرب: قرأت الماء في الحوض أي جمعته، ويرجع السبب في التسمية إلى أن القرآن الكريم جمع ألون العلوم، وجمع ثمرات الكتب السماوية السابقة، ومنهم من قال بأن أصلها من قرأ، وذهبت جماعة أخرى من أهل العلم إلى أن أصله ليس مهموزاً، وهو مشتق من قرن، حيث تقول العرب قرنت الشيء بالشيء أي ضممت أحدهما للآخر، ويرجع السبب في التسمية إلى أن آيات وسور القرآن الكريم تتلاحم فيما بينها ويقرن بعضها بعضاً.
وقيل إن القرآن ليس مشتق من جذر لغوي، وإنما اسم علم لكتاب الله تعالى، كالإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، والتوراة المنزلة على موسى عليه السلام، ومن الجدير بالذكر أن كلمة القرآن قد تستخدم للدلالة على كتاب الله -تعالى- كله، وقد تستخدم للدلالة على أقصر آية في كتاب الله تعالى، وقد ذكر أهل العلم الكثير من أسماء القرآن الكريم، حيث تم اشتقاقها من الصفات التي وُصف بها القرآن الكريم في كتاب الله -تعالى- ومنها: الذكر، والفرقان، والكتاب، ووصل بها الإمام السيوطي لخمسة وخمسين اسماً، ويُعرّف القرآن الكريم اصطلاحاً على أنه كلام الله -تعالى- المعجز، والموحى به إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل عليه السلام، وهو المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المكتوب في المصحف، والمفتتح بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس.
ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم مُعجزة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الكبرى، فعلى الرغم من فصاحة العرب وبلاغتهم إلا أنهم وقفوا عاجزين أمام فصاحة القرآن الكريم وبلاغته، وما احتواه من أخبار الأمم السابقة، وأنباء الغيب، والإعجاز العلمي، والتشريع الذي يعتبر في غاية الدقة والكمال، الصالح لكل مكان وزمان، وقد تحدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه بأن يأتوا بمثله، فلم يستطيعوا، مصداقاً لقول الله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)، ثم تحدّاهم بأن يأتوا بعشر سور، حيث قال تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ)، ثم تحداهم بسورة واحدة، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم على محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون نوراً وهدى للمؤمنين، ومنهج حياة، وطريق للعزّ والتمكين، وقد ميّز الله -تعالى- القرآن الكريم بالعديد من الخصائص، وفيما يأتي بيان بعضها:
مر القرآن الكريم في عدة مراحل إلى أن جُمع في مصحف واحد، وفيما يأتي بيان تلك المراحل:
موسوعة موضوع