القصة والرواية في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.
لم تنفصل حركة السرد من قصة ورواية في المنطقة عن بُعدها المحلي في المملكة، فقد نشطت حركة السرد عند أبناء القصيم في فترة مقاربة لبدايات الحركة السردية في المملكة بشكل عام، وكانت تجلياتها متمثلة في أبنائها خارج حدودها، إلى أن بدأت تعود إلى داخلها، ولعل هذا يفسر فلسفة السؤال الذي طُرح في فترة مبكرة نسبيًا وهو: أين القصة والرواية في منطقة القصيم؟
يجيء المحضن الأول للقصة في المنطقة في حديث الكبار والمجربين والأمهات، وهو الذي ينشغل به الجميع في لقاءاتهم، وسفرهم، وفي أوقات بيعهم وشرائهم، وهو مصدر رئيس للقصة البدائية أو غير الفنية، ولكنها تكشف ولعًا بهذا النمط. ولذلك فإن كتب: (الأمثال العامية في نجد) لمحمد العبودي، و (تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة) لصالح بن عبدالعزيز العثيمين، و (علماء نجد) لعبدالله البسام، و (روضة الناظرين عن علماء نجد وحوادث السنين) لمحمد القاضي، و (ملامح عربية) لناصر العمري، و (فهرست الشعر النبطي) و (الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص) لسعد الصويان؛ تُعنى برصد هذه القصص وتوثيقها؛ بل يوجد انتشار للكتب التي تؤصل هذا المنحى، فكتاب (سواليف المجالس) لسليمان الطامي بأجزائه المتعددة، وكتاب (من أفواه الرواة) لعبدالكريم الطويان، وكتاب (نوادر من التاريخ) لصالح الزمام وغيرها هي كتب ترتفع بالقصة من مستواها الشفهي إلى مستوى التوثيق، وإن كانت تتخلى عن الرؤية الفنية في بعض نماذجها، إلا أنها وغيرها نجحت في القبض على القصة وحفظها من الضياع.
ويمكن الإشارة إلى البدايات الأولى لإصدار المجموعات القصصية والروائية، وهي التي تتمثل برواية هدى الرشيد (غدًا سيكون الخميس)، ومجموعة محمد المنصور الشقحاء (البحث عن ابتسامة) ، وذلك في 1396هـ / 1976م، وهي نصوص تتكئ على البعد الاجتماعي والواقعي في مسيرة الحدث، وتتكئ على فنيات كلاسيكية في صياغته، وهما بذلك لاينفصلان عن بُعدهما العربي في ذلك الوقت.
وهذا لا ينفي وجود بذور سابقة لهذا الاتجاه تجلت في القصص التي كتبها أبناء المنطقة في الصحف والمجلات المختلفة، ومن ذلك قصة لعبدالرحمن السعيد بعنوان: (زينب) ، وقصة لصالح العثيمين بعنوان: (المحبة) ، وعدد من القصص لصالح العذل، ومنها قصة بعنوان: (السمراء) ؛ وقصة لإبراهيم الدامغ بعنوان: (الأمل العقيم) ، بل كانت توجد لعدد من الذين عُرفوا بالنقد أوالشعر أو التاريخ بدايات قصصية في الصحف المحلية مثل حسن الهويمل وصالح الوشمي ، وهذا دال على عمق تاريخي في الاهتمام بالقصة، ونشرها، ونقدها.
وقد نمت حركة السرد في بداية القرن الخامس عشر الهجري تقريبًا / نهايات القرن العشرين الميلادي من خلال إصدارات متعددة لمحمد الشقحاء، وهدى الرشيد، وعثمان الصوينع، ولكنها مع التطور الفني اللافت فيها إلا أنها ما زالت تتحرك وفق النمط السائد.
ومن هنا كانت المجموعة القصصية التي أصدرها يوسف المحيميد بعنوان: (ظهيرة لا مشاة لها) وعبدالعزيز الصقعبي بعنوان: (الحكواتي يفقد صوته) تُعد بمثابة التحول الواضح في القدرة على التحكم بفنيات العمل، والإمساك بخيوط الحدث فيه، وربما نستطيع القول إن رواية سعد الدوسري (الرياض نوفمبر90) هي التمهيد الحقيقي لقوة الحركة السردية عند أبناء المنطقة، كما أنها تركت أثرًا واضحًا في مسيرة السرد في المملكة، ومع أنها لم تُوزَّع وإنما تم تداول نسخ مصفوفة مهيأة للطباعة؛ إلا أن انتشارها كان واضحًا بين المهتمين.
واستمرت الحركة السردية في النمو واطِّراد الصدور، وصارت الشرائح المختلفة تشارك في صناعتها، فألَّف الشيخ محمد العبودي (المقامات الصحراوية)، وأصدرت فاطمة العتيبي روايتها الأولى (احتفال بأني امرأة)، وألَّف غيرهم قصصًا أقرب إلى السياق الشعبي، إلى أن حدثت القفزة الفنية والمضمونية في إصدار الدكتور تركي الحمد ثلاثيته المشهورة (العدامة والشميسي والكراديب)، وبها تحول الاتجاه الفني والمضموني في أغلب الإصدارات السردية في القصيم.
ويمكن الإشارة إلى ما يشبه الطفرة التي حدثت، وذلك بصدور روايات ومجموعات قصصية لمجموعة من الأدباء الجدد، وذلك على مستوى الشباب مثل: محمد المزيني (مفارق العتمة)، وإبراهيم النملة (سيرة عُمْر أجهضه الصمت)، وهيام المفلح (صفحات من ذاكرة منسية)، وعبدالحليم البراك (عُمْر الشيطان)، ومنى المديهش (العتمة)، ومنصور المهوس (الشمس تنام في الظهيرة)، وهديل الحضيف (ظلالهم لا تتبعهم)، وشريفة العبودي (ترميم)، وعدي الحربش (حكاية الصبي الذي رأى النوم)، ونوال الجبر (عذراء نورانية)؛ أو من غير الشباب مثل: الدكتور محمد الحضيف (نقطة تفتيش)، والدكتور عبدالله العريني (دفء الليالي الشاتية)، والدكتور إبراهيم بن منصور التركي (تضاريس الوجع)، ومحمد العبودي (مطوع في باريس)، وعثمان الصوينع (الأحلام).
وقد تعددت التشكلات الفنية والمضمونية في السرد الذي أنتجه كُتَّاب السرد في القصيم بين الرؤية السياسية، والرؤية الإسلامية، والرؤية الاجتماعية، والرؤية الترفيهية، والرؤية التربوية.
ومن أبرز الأسماء من الروائيين والقاصين الذين تركوا أثرًا واضحًا في مسيرة هذا الجنس الأدبي على مستوى المملكة: تركي الحمد، ويوسف المحيميد، وعبدالعزيز الصقعبي، ومحمد المنصور الشقحاء، ومحمد الحضيف، وذلك باختلاف تجاربهم ورؤاهم الفنية والمضمونية.
فأما تركي الحمد؛ فهو الروائي الذي جاء من فضاءات الفكر والسياسة والأكاديمية، وكانت مجموعته الثلاثية (العدامة والشميسي والكراديب) تُعد بمثابة الهزّة التي اصطدم بها الوسط الثقافي والاجتماعي، فقد صدر - ولا يزال يصدر - عدد من الآراء الشرعية والنقدية والاجتماعية حولها. ولكن رواياته - بما تمتلكه من مقومات فنية ومضمونية - استطاعت أن تُحدث هذا الأثر الكبير في الوسط الأدبي، وقد قدم نموذجًا مغايرًا للسائد في المملكة بشكل عام ، وفي نجد بشكل خاص، حتى تم تداول المجموعة الثلاثية بوصفها سيرة ذاتية للروائي، ولكنها قدمته في فترة صدورها بوصفه أهم - أو من أهم - كُتَّاب الرواية السعودية، ويستمد تركي الحمد مركزيته في كتابة الرواية من استمراريته الملحوظة في الإصدار، ولذلك وجدناه يصدر (شرق الوادي) و (جروح الذاكرة) و (ريح الجنة) بشكل متسلسل زمنيًا، وكأنه بصدد تكريس ضلوعه في هذا الفن. ولا شك في أن للمضمونات التي تناولها تركي الحمد في رواياته جميعًا أثرًا في انتشارها وتوالي إصداره للروايات؛ وذلك لأنه قدم رؤية مختلفة لكثير من المواقف المحلية والعربية سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا.
وأما يوسف المحيميد؛ فهو نشط في كتابة الرواية على مستوى السرد السعودي، وقد جاء إلى الرواية من فضاء القصة والشعر، ومن ارتباطات إدارية ثقافية وإعلامية كثيفة، وقد فرضت عليه وعيًا أدبيًا وثقافيًا عميقًا بحركة الرواية وتطورها. وقد أصدر المحيميد عددًا من الروايات، وشارك في الفعاليات الروائية العالمية، وتُرجم بعض أعماله، ويمكن أن نقول: إنه تميز في عدد من الأطر. ومن روايات يوسف المحيميد: (لغط موتى)، و (فخاخ الرائحة) ، و (نـزهة الدلفين)، وقد ترجمت (فخاخ الرائحة) إلى الإنجليزية والفرنسية.
وأما عبدالعزيز الصقعبي؛ فهو الذي زاوج في إنتاجه بين القصة والرواية، وكانت سيرته الإدارية الثقافية مسوغًا ودافعًا رئيسًا إلى اتجاهه هذا، وهو الذي أصدر (رائحة الفحم)، و (أنت النار والفراشة أنا)، و (يوقد الليل أصواتهم ويملأ أسفارهم بالتعب)، و (حكايات مسائية)، وفي تجربة الصقعبي ملمح يتميز به عن غيره؛ فهو إعلامي ومسرحي، وهذا ربط بين مسارين أدبيين: السرد والمسرح، وهو ما ظهرت آثاره في إبداعه.
وأما محمد المنصور الشقحاء؛ فلعله أكثر أدباء القصيم إصدارًا سرديًا، وله ما يزيد على عشر مجموعات، وقام حول جهوده عدد من الدراسات العلمية والأكاديمية. وقد أقام نادي القصيم الأدبي عام 1429هـ / 2008م ملتقى خصص جزءًا وافرًا منه لتكريم الشقحاء لجهوده السردية، وقُدِّم فيه عدد من الأوراق النقدية لدراسة مسيرته الإبداعية.
وأما محمد الحضيف وعبدالله العريني؛ فقد جاءا من الأكاديمية، ومن النشاط الإصلاحي؛ فالأول من المطالبين بالإصلاحات، والثاني منظِّر للأدب الإسلامي وأحد دعاته الكبار في المملكة، وهما - بشكل عام - من أصحاب الاتجاه الإسلامي، على اختلاف بينهما في الرؤية والفن، إلا أن المحافظة المضمونية العامة لإنتاجهما دفعت به إلى تصدُّر الوسط الثقافي الإسلامي خاصة، وأن تُطرح أعمالهم على مستويات أخرى، وقد توالت طبعات رواياتهم وقصصهم بشكل ملحوظ، كما أنهما تجاوزا مستوى التجريب الأولي إلى تتابع الإصدار وتواليه.