هناك عدّة أقوالٍ في أصل كلمة النّفاق في اللّغة، ومنها أنّها مُشتقّةٌ من النّفق، وهو السّرب في الأرض، وقد أُطلق عليه هذا الاسم لأنّ المنافق يستر كفره ويُغيّبه، كالذي يدخل في النّفق ويستتر فيه، وقيل إنها مشتقّةٌ من نافقاء اليربوع، فهو يحفر جحره حتّى إذا اقترب من سطح الأرض ترك قشرةً رقيقةً، حتّى لا يُعرف أنّه مخرجٌ، فإذا رابه ريبٌ دفع تلك القشرة برأسه وخرج، فظاهر جحره ترابٌ كأنّه من الأرض، وباطنه حفرةٌ، وكذلك المنافق يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر، ويعرّف النّفاق شرعاً بأنّه إظهار الإيمان وإبطان الكفر، والنّفاق اسمٌ لم تعرفه العرب قبل الإسلام.
كما أنّ للكفر والفسوق والشرك أنواعٌ ودرجاتٌ، فإنّ للنّفاق أيضاً أنواعٌ، منه ما يُخرج من ملّة الإسلام، ومنه ما لا يُخرج عنها، حيث بيّن العلماء أنواع النّفاق وفصّلوها، كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (النّفاق هو إظهار الخير وإسرار الشرّ، وهو أنواعٌ: اعتقاديٌ، وهو الذي يُخلّد صاحبه في النّار، وعمليّ وهو من أكبر الذّنوب)، وذكر الإمام الترمذي -رحمه الله- في شرحه لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أربعٌ من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلّةٌ منهنّ كانت فيه خلّةٌ من نفاقٍ حتى يدعَها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)، حيث بيّن أن المقصود من الحديث النفاق العملي، وأنّ نفاق التكذيب كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ونُقل عن الحسن البصري -رحمه الله- أنّه قال: (النّفاق نفاقان، نفاق عملٍ، ونفاق تكذيبٍ)، كما بيّن الإمام ابن القيم -رحمه الله- أنّ النّفاق نوعان أكبرٌ وأصغرٌ، وأنّ النّفاق الأكبر يُوجب الخلود في الدّرك الأسفل من النّار، وعُرّف النّفاق الأكبر بأنّه إظهار الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وإبطان عكس ذلك والانسلاخ منه، و فيما يأتي بيانٌ لأنواع النّفاق:
على الرّغم من كثرة أعداء الإسلام وتعدّدهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم، إلاّ أنّ الله -تعالى- حصر العداوة في المنافقين، حيث قال: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّـهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، حيث بيّنت هذه الآية خطورة المنافقين على المجتمع الإسلامي، حيث إن أعداء الإسلام الخارجيين لا يخفى أمرهم على المسلمين، أمّا المنافقون فهم يعيشون بين المسلمين وفي ديارهم، وأمرهم يخفى على النّاس، فقد قال تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)، حيث بيّن الله تعالى ورسوله -عليه الصّلاة والسّلام- علامات النّفاق، وفيما يأتي بيانٌ لعلامات النّفاق العمليّ:
وصف الله -تعالى- أهل النّفاق الأكبر في الكثير من مواضع القرآن الكريم، حتى لا يخفى أمرهم على عباده المؤمنين، ويمكن ذكر بعض صفاتهم كما يأتي:
موسوعة موضوع