اهتَمّت الشريعة الإسلاميّة بالإنسان وتفاصيل حياته اهتِماماً كبيراً، وجاءَ هذا الاهتمامُ عاماً شاملاً، حتّى شمل جَميع مَراحل حياة الإنسان ابتداءً من ثُبوت وجوده في بطن أمه؛ حيث ثبت في تلك المَرحلة حقّ الجنين في الحياة، وعدم جواز الاعتداء عليه قبل ولادته، إن ثبت بحسب المُعطيات العلميّة والشرعية تمام خلقته وسلامته صحياً، ما دام في بطن أمه، وحتى بَعدَ ولادته حياً سليماً؛ حيثُ أثبتت الشريعة له حقّه في الرضاعة الصحية التامة، والحضانة، والتربية والتنشئة الصالحة، وغيرها الكثير من مظاهر الاهتمام بالإنسان والحقوق المادية والمعنوية، فما المقصود بإسقاط الجنين؟ وما حكمه الشرعي؟
يَمرّ الجَنين وهو في بطن أمّه بعدة مراحل ورد ذكرها في القرآن الكريم، وذلك في قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). يتبين من الآية الكريمة أنّ مراحل الجنين في بطن أمه هي:
قسّم الفقهاء الإجهاض إلى قسمين؛ الإجهاض قبل نفخ الروح، والإجهاض بعد نفخ الروح، وبناءً على هذا التقسيم بيّنوا الحُكم الشرعي في الإجهاض؛ فاتفقوا على أنّ نفخ الروح يكون بعد مئةٍ وعشرين يوماً من الحمل، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يومًا ثمَّ يَكونُ في ذلك عَلقةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يَكونُ مضغةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يرسلُ الملَكُ فينفخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربع كلِماتٍ: بكَتبِ رزقِهُ وأجلِهُ وعملِهُ وشقيٌّ أو سعيدٌ، فوالَّذي لا إلَهَ غيرُهُ إنَّ أحدَكُم ليَعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذِراعٌ فيسبقُ عليهِ الكتابُ فيعمل بعملِ أَهْلِ النَّارِ فيدخلُها، وإنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ حتَّى ما يَكونَ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ عليهِ الكتابُ فيعمَل بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ فيدخُلُها واتفقوا على أنّ الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين حرامٌ شرعاً على الإطلاق، إلاّ في حالة الضرورة الطبية التي تستدعي وجود خطر على حياة الأم.
بالنسبة للإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين، فقد كان محل خلاف بين أصحاب المذاهب الفقهية، بل وبين أصحاب المذهب الواحد، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
موسوعة موضوع