تُعرّف السورة لغةً على أنّها المنزلة الرفيعة، أو ما طال وحسُن من البناء، أما اصطلاحاً فتُعرّف السورة على أنها عددٌ من آيات القرآن الكريم جُمعت مع بعضها البعض حتى بلغت في المقدار والطول ما أراده الله -تعالى- لها أن تبلغ.
سورة المجادلة من سور المفصل التي نزلت في المدينة المنورة، حيث نزلت بعد سورة المنافقون، وترتيبها في المصحف الثامنة والخمسون، ويرجع السبب في تسميتها بسورة المجادلة إلى بيان قصة المرأة التي جادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، وتسمّى أيضاً بالظهار، وقد سمع، وقد تطرّقت السورةُ الكريمةُ إلى العديد من الأحكام التشريعية؛ كالظّهار، وكفّارة المُظاهر، وآداب المجلس، وحكم التّناجي، وتقديم الصدقة عند مناجاة النبي عليه الصلاة والسلام، كما أشارت السورة إلى اليهود والمنافقين، وحذّرت من مودّة أعداء الله، ويمكن بيان أسباب نزول سورة المجادلة فيما يأتي:
إن القرآن الكريم نزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أخذ يتنزّل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسب الوقائع والأحداث والأسباب على مدار ثلاثة وعشرين سنة، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- على علمٍ بأسباب النزول، حيث حفظوها، ونقلوها جيلاً بعد جيل، مما أعانهم على فهم القرآن الكريم، وتفسيره، واستنباط الأحكام الشرعيه منه، وقد اعتنى علماء الأمة فيما بعد بعلم أسباب النزول اعتناءً خاصاً، وألّفوا فيه الكتب والمجلّدات، ومن أشهرها أسباب النزول للواحدي، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي، وبيّن أهل العلم أن القرآن نزل على قسمين: قسمٌ نزل ابتداءً، وقسمٌ نزل بعد واقعةٍ أو سؤال، وعرّفوا سبب النزول على أنه حادثةٌ، أو سؤالٌ نزل قرآن عند وقوعه وبسببه.
وردت العديد من الأحكام في سورة المجادلة، ومن هذه الأحكام حكم الظهار، والمقصود بالظهار أن يقول الرجل لزوجته: (أنتِ عليّ كظهر أمي)، أو غيرها من المحارم، أو يقول لها: (أنتِ عليّ حرام)، وعند ذلك تحرم عليه زوجته ولا يجوز له معاشرتها معاشرة الأزواج إلا بعد أن يكفّر عن يمينه، وقد سبق ذكر كفّارة الظهار في قصة أوس بن الصامت وخولة بنت ثعلبة رضي الله عنهما، ويمكن استنباط الكثير من الفوائد من هذه القصة، منها تواضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الصحابة رضي الله عنهم، واهتمامه بهم، وحرصه عليهم، فعلى الرغم من كثرة مسؤولياته وأشغاله إلا إنه كان يُفرّغ نفسه لسماع شكواهم وحل مشاكلهم الحياتية والعادية.
ويُستفاد من القصة أيضاً أن للمرأة مكانتها في المجتمع الإسلامي، حيث إن لها حقوق، وعليها واجبات، كما إن الرجل له حقوقٌ وواجبات، فعلى الرغم من أنها ذهبت إلى رسول الله لتسأله عن مشكلتها سراً، إلا إن الله -تعالى- سمع قولها وأنزل آيات تبيّن المخرج من أزمتها، ومن أهم الدروس المستفادة أنّ علم الله -تعالى- يحيط بكلّ نجوى، ويجيب الداعي إذا أخلص في دعائه.
موسوعة موضوع