سياسة الملك سعود بن عبدالعزيز الخارجية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
سياسة الملك سعود بن عبدالعزيز الخارجية في المملكة العربية السعودية

سياسة الملك سعود بن عبدالعزيز الخارجية في المملكة العربية السعودية.

 
 

سياسته عربيًا

 
اقتنع الملك سعود بسياسة عدم الانحياز، وفي الوقت نفسه لم يدَّخر جهدًا في تأييد القضايا العربية، يكافح في سبيلها، ويدافع عنها في جميع المناسبات، فكان يقول دائمًا: "إن بين البلدان العربية والإسلامية الشقيقة صلات وروابط متينة وثَّقها الإسلام، وإن سياستنا هي دعم كل ما يقوِّي الجامعة العربية ويضمن مصالح المسلمين ويرفع شأنهم"؛ لذلك عمل الملك سعود بكل جهد في سبيل جمع كلمة العرب وتأييد وحدتهم، ومن القضايا العربية التي اهتم بها: قضية فلسطين التي قال عنها: "إن فلسطين عربية، والعرب قد عرفهم التاريخ كرماء أوفياء عادلين سيحفظون لليهود جميع حقوقهم، ونحن العرب لا نحارب من اليهود إلا الصهيونيين المغتصبين لحقوقنا..."  .  ومنذ تولي الملك سعود الحكم واصل دعمه للقضية الفلسطينية، وقد ظهر ذلك كثيرًا في أحاديثه وخطبه وتصريحاته الجريئة في مختلف المواقف، وكان أكثر ما يلح عليه هو دعوته المستمرة إلى عودة اللاجئين إلى ديارهم.ومن مواقف الملك سعود تجاه هذه القضية مقاطعة البضائع الإسرائيلية والشركات المتعاونة مع إسرائيل؛ بهدف إضعاف الاقتصاد الإسرائيلي، ومن أجل دعم هذا الهدف أنشأ في الرياض (المكتب الإقليمي السعودي لمقاطعة إسرائيل)، وقوطعت أكثر من 190 شركة أجنبية، إضافة إلى بعض البواخر وناقلات النفط التي رفض التعامل معها، وبلغت أكثر من 130 باخرة  . ووجه الملك سعود عام 1374هـ / 1954م الدعوة لقيادات عسكرية من مصر وسورية ولبنان والأردن للحضور إلى الرياض إثر العدوان الإسرائيلي على الأردن، وتكفل شخصيًا بدفع جميع النفقات الخاصة بالحرس الوطني في الأردن.وفي عام 1375هـ / 1956م قام الملك سعود بمنح سورية قرضًا بـ16 مليون دولار، واتفق معها على تبادل المنتجات وإعفاء المنتجات الزراعية من الرسوم الجمركية. وفي العام نفسه قدم دعمًا ماديًا ومعنويًا لثورة الجزائر عند إعلانها عام 1375هـ / 1956م  . ووقف بجانب مصر في عدد من المواقف؛ منها: تأييده القرار المصري بتأميم شركة قناة السويس عام 1375هـ / 1956م. وحين وقع العدوان الثلاثي عام 1375هـ / 1956م وقف مع مصر موقفًا مشهودًا، فأعلن التعبئة العامة في اليوم الثاني من العدوان، وأمر بفتح مكاتب التطوع للجيوش العربية في جميع أرجاء المملكة، ولم يكتفِ بذلك بل أرسل البرقيات السريعة إلى جميع ملوك العرب وحكامهم يحثهم على دعم مصر ومساندتها، وقام بقطع النفط عن بريطانيا وأمريكا من أجل الضغط عليهما اقتصاديًا، ولم يكتفِ بالمقاطعة الاقتصادية؛ بل أصبحت المقاطعة سياسية أيضًا. كما قدم المساعدات لمصر بعد انتهاء العدوان لمساعدة الشعب  . وفي عام 1381هـ / 1961م أيد الملك سعود الشعب التونسي في معاركه وكفاحه ضد الاستعمار الفرنسي، وأسهم ماديًا بإرسال بعثة طبية لمساعدة المنكوبين، وصعَّد القضية على مستوى الجامعة العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة  . 
 

 سياسته إسلاميًا

 
حرص الملك سعود على الالتزام بنهج والده في تطبيق الشريعة الإسلامية، واتخذها منهجًا خاصًا له في جميع تصرفاته، فكانت الدعوة إلى الله محورًا مهمًا من محاور سياسته الخارجية، فلم تقف دعوته إلى الله عند حدود مملكته، بل ساند الدعوة في أمكنة متفرقة من العالم الإسلامي: أولها في ملتقى الحجاج، حيث كان يجدها مناسبة من أجل نصحهم وإرشادهم، وثانيها أنه كان يمثل منهجية غير معهودة في الخطاب السياسي الحديث لحكام الأمة العربية والإسلامية، فقد كان يلح في خطابه السياسي على الدعوة إلى الله. واتضح منهجه الدعوي أيضًا في أثناء زياراته بعض البلاد الإسلامية، فقد كان يخطب في أهلها، كما كان يحث أصحاب الكلمة وصُنَّاع القرار في البلاد الإسلامية والعربية على إدخال تعاليم الإسلام في أحكامهم ودساتيرهم، ويوجه مندوبيهم من العالم الإسلامي إلى أن يعملوا على وضع دستور إسلامي قوامه تعاليم القرآن الكريم وأحكام الشريعة الإسلامية  .  ويمكن أن نوجز أعمال الملك سعود في مجال الدعوة الإسلامية وخدمة العمل الإسلامي فيما يأتي:
بناء المساجد وإعمارها.
دعم مؤسسات التعليم الشرعي.
إنشاء دار الإفتاء للإشراف على الشؤون الدينية.
التمسك بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجًا وتطبيقًا.
دعم السياسة التعليمية القائمة على مبادئ الإسلام وتعاليمه.
دعوته إلى عقد مؤتمر إسلامي عام 1374هـ / 1954م لبحث أوضاع المسلمين وإزالة الخلافات بينهم وتوحيد كلمتهم.
إنشاء رابطة العالم الإسلامي بعد عقد المؤتمر الإسلامي تحت هدف تبليغ دعوة الإسلام، ومواجهة المؤامرات الخطيرة الرامية إلى بث الفتن بين المسلمين  . 
 

 سياسته دوليًا

 
كان الملك سعود قليل الأسفار في مستهل عهد والده الملك عبدالعزيز؛ بسبب كثرة الأعباء التي كان يضطلع بها في إدارة شؤون نجد والقبائل بوصفه نائبًا للملك في هذا الإقليم، وبحكم المسؤوليات التي أُضيفت إلى تلك الأعباء الجسام التي آلت إليه بعد مبايعته وليًَّا للعهد عام 1352هـ / 1932م، والتي ازدادت شيئًا فشيئًا مع تقدم الملك عبدالعزيز في السن  .
وبعد ولايته للعهد قرر الملك سعود أن يرى بنفسه حياة الدول الأخرى ونهضتها؛ ليقتبس منها ما يلائم بلاده مما يرى فيه الخير لشعبه، فقام برحلات كثيرة زار فيها كثيرًا من الدول العربية وكثيرًا من دول أوروبا وأمريكا  ،  ومن أهم هذه الرحلات زيارته لمصر عام 1344هـ / 1925م  .  .وفي الثاني عشر من أغسطس عام 1354هـ الموافق 1935م توجه الملك سعود إلى الإسكندرية، ثم غادرها إلى فلسطين في اليوم التالي، ثم إلى بغداد؛ حيث عقد مع العراق معاهدة أُخوَّة عربية وتحالف  ،  وقوَّى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولتدعيم هذه العلاقة قام بزيارة أخرى إليه عام 1355هـ / 1936م.وقد دعت الحكومة البريطانية زعماء العالم للاحتفال بتتويج الملك جورج السادس عام 1356هـ / 1937م، وكان الملك عبدالعزيز في مقدمة المدعوين العرب، فأناب عنه ابنه الأمير سعودًا، فاستغل هذه الزيارة لمناقشة كثير من الأمور المتعلقة بالطرفين  .  كما دُعي الملك سعود عام 1357هـ / 1938م لزيارة بعض الدول الأوروبية فلبَّى الدعوة، إذ توجَّه إلى روما ووطَّد العلاقات السعودية الإيطالية، ثم غادرها إلى كل من سويسرا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا، فاستقبلته عواصم هذه المدن أحسن استقبال، ووطد العلاقات السعودية معها  . كما قَدِم إلى مصر ممثِّلاً لوالده في مؤتمر أنشاص عام 1366هـ / 1947م   من أجل مناقشة قضية فلسطين. وفي العام نفسه وُجِّهت دعوة رسمية لولي العهد السعودي الأمير سعود لزيارة الولايات المتحدة، فتوجه إلى نيويورك حيث قابل المسؤولين هناك، وركز أحاديثه على قضية فلسطين، ثم أسند الملك عبدالعزيز لابنه الأمير سعود عام 1372هـ / 1953م إدارة شؤون الدولة، فحرص على عقد الصداقات وتثبيت جذور المحبة والإخاء مع الدول العربية الشقيقة.وفي عام 1372هـ / 1953م أيضًا زار الملك سعود لبنان، ومنها توجه إلى سورية والعراق  وغيرهما من الدول التي جدَّد معها أواصر العلاقات الأخوية  . وقد أدت هذه الزيارات دورًا مهمًا على المستويات الإقليمية، والعربية، والإسلامية، والعالمية، بوَّأت الملك سعودًا مكانته السياسية والإسلامية؛ مما أسهم في نجاح كثير من المساعي الرامية للمِّ الشمل.وعندما تسلَّم الملك سعود مقاليد الحكم كانت المملكة قد انفتحت على العالم الخارجي بصورة كبيرة، فدخلت في معترك السياسة الدولية والإقليمية.ومن مقولات الملك سعود التي تبين نهجه السياسي قوله: " أما سياستنا الخارجية فقد أقمنا أسسها على مسالمة جميع الأمم والتعاون معهم على ما فيه إحقاق الحق، ومقاومة الظلم، وحفظ المصالح المتبادلة بالتعاون والإنصاف، فمن والانا على ذلك واليناه، وعرفنا له حقه، وأخلصنا له الصداقة وحسن المعاملة في السر والعلانية، فسياستنا سلم ومسالمة، وصدق ومصادقة"  . وقد قام بعد توليه الحُكم بكثير من الرحلات إلى الدول العربية والإسلامية والدول الصديقة؛ فزار عام 1373هـ / 1954م كلاً من: مصر، والكويت، والبحرين، والأردن، واليمن، وباكستان، معلنًا خلال تلك الزيارات أن غايته جمع كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها  . وفي مطلع عام 1376هـ / 1957م زار الملك سعود الولايات المتحدة الأمريكية  بدعوة من الرئيس أيزنهاور، وتباحث الطرفان في مجموعة من القضايا التي تهم العالمين العربي والإسلامي، منها القضية الفلسطينية وإجلاء اليهود من فلسطين، وغيرها من القضايا  . وقد مرت المملكة أثناء حكم الملك سعود بأزمة مالية شديدة؛ نتيجةً لانخفاض أسعار النفط انخفاضًا حادًا أدى إلى تقلص كبير في عائدات المملكة، وفي الوقت نفسه شهدت المملكة توسعات شديدة في نفقاتها بسبب توسعها في مشروعاتها الإصلاحية والتنمية الداخلية، فشعر الملك سعود بخطورة هذه الأزمة المالية، وبدأ باتخاذ التدابير اللازمة في عمليات الإصلاح، مثل إنشاء مراقب عام لحسابات الدولة عام 1376هـ / 1957م، وانضمام المملكة لعضوية صندوق النقد الدولي عام 1377هـ / 1958م، وفي الوقت ذاته ظل الملك سعود مواظبًا على واجباته التقليدية تجاه شعبه على الرغم من هذه الأزمة. وكان من الإجراءات التي رأى الملك سعود أهميتها في مواجهة تلك الأزمة، واستجابةً منه للمقتضيات المُلحَّة لتلك المرحلة في أساليب الإدارة الداخلية والخارجية للمملكة، ولظروفه الصحية؛ إصداره المرسوم الملكي رقم 37 بتاريخ 4 رمضان من عام 1377هـ الموافق 28 مارس 1958م الذي تضمَّن تنازله عن صلاحياته الإدارية ومسؤولياته في قيادة القوات المسلحة لأخيه ورئيس وزرائه وولي عهده الأمير فيصل، وباشرت الحكومة السعودية مهماتها بإدارة الأمير فيصل   إلى سنة 1384هـ / 1964م عندما تنازل الملك سعود عن الحكم لأخيه الأمير فيصل نظرًا إلى مرضه وبالاتفاق بين أفراد الأسرة الحاكمة والعلماء.
 

 وفاته

 
توفي الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - في أثناء رحلته للعلاج في أثينا يوم 6 ذي الحجة من عام 1388هـ الموافق 24 يناير 1969م، عن عمر ناهز سبعة وستين عامًا، ونُقل جثمانه إلى الوطن، حيث صُلِّي عليه في المسجد الحرام، ثم دُفن بجوار قبر والده وجدِّه في مقبرة العود في مدينة الرياض  . 
شارك المقالة:
96 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook