تُعرَّف الجماعة في اللُغة ب: الكثرة، والجمعُ: تأليف المُتفرِّق؛ ولذلك يُسمّى المسجد بالجامع؛ لأنّه يجمع الناس، وهي صفة للمسجد، أمّا الجماعة، فهم: الأشخاص الذين يجتمعون لهدف واحد، وفي ما يتعلّق بتعريفها في الاصطلاح، فهو لا يخرج عن المعنى اللُّغوي؛ إذ إنّ أقلّ عدد للجماعة اثنان فأكثر، وسُمِّيت صلاة الجماعة بهذا الاسم؛ لتجمُّع الناس للصلاة في نفس الزمان والمكان، والاشتراك في العمل نفسه.
اختلف الفقهاء في حُكم صلاة الجماعة باختلاف موضعها، واتّفقوا على أنّها شرطٌ في صلاة الجُمعة على الرجل القادر، إلّا أنّهم اختلفوا في كونها شرطاً في صلاة العيدَين، أما في ما يتعلّق بباقي الفروض، فتفصيلها فيما يأتي:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّها سُنّة، ويكنّ مُنفردات عن الرجال، واستدلّوا بفِعل عائشة وأُم سلمة -رضي الله عنهما-، كما أنّ النبيّ أمر أُم ورقة أن تجعل لها مُؤذِّناً يُؤذّن لها، وتَؤمّ أهل بيتها، في حين يرى الحنفية كراهة ذلك؛ لأنّ خروج النساء إلى الصلاة قد يُؤدّي إلى الفتنة، أمّا المالكيّة فيرَون منع النساء من الجماعة؛ لأنّ من شروط الإمامة أن يكون الإمام ذكراً، فلا تجوز إمامة المرأة عندهم، ويصحّ للنساء حُضور صلاة الجماعة مع الرجال بشرط أَمن الفتنة.
الجماعة في صلاة العيدَين شرطٌ لصحّة الصلاة عند الحنابلة والحنفيّة، وسُنّة عند الشافعية والمالكيّة، وقد اتّفق الفقهاء على أنّها سُنّة في صلاة الكُسوف، واختلفوا في صلاة الخسوف؛ إذ يرى الشافعيّة والحنابلة أنّها سُنَّة، ويرى المالكيّة والحنفيّة أنّه لا وجود للجماعة في صلاة الخُسوف، وفي ما يتعلّق بصلاة الاستسقاء فهي سُنّة عند الفقهاء جميعهم باستثناء أبي حنيفة؛ فهو لا يرى فيها صلاة، والجماعة في صلاة التراويح سُنّة عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة، أمّا المالكيّة فيَرَون استحبابها، بينما تُعَدّ صلاة الوتر في رمضان سُنّة عند الحنابلة، ومُستَحبّة عند الشافعيّة، وقال بذلك بعض الحنفية، وتجوز الجماعة في صلاة التطوُّع بقول جمهور الفقهاء، في حين قيَّد المالكيّة الجواز بحالة كون الجماعة قليلة، ولم يكن مكان الصلاة مشهوراً، امّا في ما عدا هذَين الشرطَين، فإنّ الجماعة تُكرَه عندهم، ويرى الحنفيّة أنّ الجماعة في النوافل مكروهة في غير شهر رمضان.
ذهب الفقهاء إلى عدم مشروعيّة تعدُّد الجماعات في المسجد الواحد في الوقت نفسه، ولا يُشرَع تتابُع الجماعات الراتبة في مسجد واحد، واستدلّوا على ذلك بمجموعة من الأدلّة، منها ما يأتي:
وقد فصّل الفقهاء في حُكم تكرار الصلاة في المسجد الواحد لأمر عارض، كما يأتي:
تُشترَط لصلاة الجماعة مجموعة من الشروط؛ إذ يُشترَط لها ما يُشترَط لصحّة الصلاة، وزيادة عليها أن يحضرها اثنان، أو أكثر، وهذا الشرط باتِّفاق الفقهاء جميعهم، ويُشترَط لها أن يكون رجلاً، حُرّاً، عاقلاً، قادراً، فلا تجب صلاة الجماعة على النساء، والعبد، والصبيّ، ومن هو من أهل الأعذار، أمّا من حيث العدد، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ أقلّ عدد لصلاة الجماعة اثنان، وهما: الإمام، والمأموم، وذلك في غير صلاة الجمعة، وصلاة العيدَين، ويُشترَط في الرجُلَين أن يكونا بالغَين؛ فلا تنعقد الجماعة بصبيّ في الفرض؛ لأنّ صلاة الصبيّ نَفل، وصلاة البالغ فرض، وفي حال كانت الصلاة نفلاً، فإنّها تنعقد بصبيَّين، ويرى الشافعية والإمام أحمد أنّ الجماعة تجوز للصغار في صلاة الفرض إذا كان الإمام بالغاً، والحُكم بالنسبة للعدد يكون في غير صلاتَي الجمعة والعيد؛ إذ ذهب كلّ مذهب إلى تحديد عدد مُعيَّن للمُصلّين في كلٍّ منهما حسب ما يراه من أدلّة.
وتجوز إقامة صلاة الجماعة في أيّ مكان إذا كان طاهراً؛ سواءً كان في البيت، أو المسجد؛ لقول النبيّ: (وجُعِلَت ليَ الأرضُ مسجدًا وطهورًا، فأيما رجلٍ من أمتي أدركَتْه الصلاةُ فلْيُصلِّ)، وصلاة الفريضة في المسجد أفضل؛ لشمولها على الشرف، والطهارة، ولما فيها من إظهارٍ لشعائر الله، وتكثير أعداد الناس في الصلاة، كما أنّ الصلاة في المساجد التي تحتوي عدداً أكبر من المُصلّين أفضل من المساجد التي تُصلّي فيها أعداد قليلة، وإذا كان الشخص جاراً للمسجد، أو قريباً منه، ولا يوجد في الحيّ غيره تقوم صلاة الجماعة به، فإنّ أداءه إيّاها في المسجد أفضل، ومن شروطها أيضاً نيّة المُؤتَمِّ الاقتداءَ بالإمام؛ لأنّ مُتابعة الإمام في أعمال الصلاة عمل يحتاج إلى نيّة، ويُشترَط في هذه النيّة أن تكون مُقترنة بتكبيرة الإحرام، أو أن تسبقها، ولا يُفصَل بينها وبين تكبيرة الإحرام بفاصل، وهو قول جمهور الفقهاء، أمّا الشافعية فقد رأوا أنّه يجوز للشخص الذي نوى مُنفرداً أن يجعل نفسه مأموماً، كأن يأتي أشخاص يُصلّون جماعة، فينوي الدخول معهم في الجماعة، حتى وإن كان ذلك أثناء الصلاة
موسوعة موضوع