يُعرَّف تشوُّه الجنين، أو العيب الخَلقي، أو العيب الولادي (بالإنجليزية: Birth Defects) على أنَّه مشاكل وتغييرات بنائيَّة تظهر عند الطفل من الولادة،وتحدث أثناء نموِّ الجنين وتطوُّره في بطن أمِّه، إذ تحدث معظم تشوُّهات الجنين خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، إلا أنَّ بعضاً منها قد يحدث في مراحل الحمل المتأخِّرة،ويمكن أن تؤثِّر هذه التغيُّرات في شكل الجسم أو طريقة عمله أو كليهما، كما أنَّها قد تؤثِّر في أيِّ جزء من أجزاء الجسم تقريباً، مثل: الدماغوالقلبوالقدم، ومن الجدير بالذكر أنَّ تأثُّر صحَّة الطفل المصاب بالتشوُّه غالباً ما يعتمد على نوع العضو أو الجزء المصاب من الجسم ودرجة إصابته، إذ تتراوح شدَّة تشوُّهات الجنين بين الخفيفة والشديدة، كما يعتمد العُمر المتوقَّع للمصاب على مدى شدَّة التشوُّه.
إنَّ معظم الأطفال يولدون بصحَّة جيِّدة، إلا أنَّ تشوُّهات الجنين تنتشر في العائلات من جميع البلدان والخلفيَّات الاجتماعيَّة،إذ يُعتقد أنَّ سبب حدوث معظم تشوُّهات الجنين تعود إلى مجموعة من العوامل المعقدة بما فيهاالجينات، وعوامل بيئيَّة وأخرى سلوكيَّة، ففي بعض الحالات يكون سبب التشوُّه معروفاً، أما معظم حالات التشوُّه فإنَّه يُجهل سبب حدوثها،وفي الحقيقة يمكن أن تنجب المرأة طفلاً مصاباً بالتشوُّه دون امتلاكها أيّاً من عوامل الخطر التي تسبِّب ذلك، وهذا يعني أنَّ وجود عامل أو أكثر من عوامل خطر الإصابة بالتشوُّهات لا يعني بالضرورة ولادة طفل مشوَّه، لذلك تنبغي مراجعة الطبيب لاستشارته حول ما يمكن فعله للتقليل من خطر حدوث التشوُّهات لدى الجنين.
تحتوي كلُّ خليَّة من خلايا جسم الإنسان على 46 كروموسوماً، إذ يحمل كلُّكروموسومآلافاً من الجينات التي يحتوي كلٌّ منها على تعليمات تتحكَّم في وظيفة أو تطوُّر جزء معيَّن من الجسم، وعليه يمكن القول إنَّ وجود عدد أقل أو أكثر من الكروموسومات يؤثِّر في جزء معيَّن من الجسم، إذ سيحصل هذا الجزء على معلومات ناقصة تتعلَّق بوظيفته وتطوُّره، لذلك من الضروري وجود العدد الكامل من الكروموسومات حتى يتسنَّى لجميع أعضاء الجسم التطوُّر والعمل بشكلٍ صحيح، وبمعنى آخر يمكن القول إنَّ وجود أيِّ عيب أو تشوُّه في أحد الجينات يؤدِّي إلى ظهور تشوُّه في العضو المقابل له، وتجدر الإشارة إلى أنَّ التشوُّهات قد تؤثِّر في جين واحد أو أكثر، وهذا ما يفسِّر ظهور العديد من التشوُّهات الخلقيَّة عند الولادة، ويمكن بيان بعض الحالات الناجمة عن حدوث تشوُّه في أحد الجينات كما يأتي:
وفي هذا السياق يجدر العلم أنَّ الجينات يمكن أن تورَّث، ممَّا يعني إمكانيَّة انتقال الجينات المشوَّهة من جيل إلى آخر في العائلات، فعلى سبيل المثال يعتبر مرضالهيموفيليا(بالإنجليزية: haemophilia) مرضاً جينيّاً وراثيّاً، إذ يحدث بسبب نقصان مادة كيميائيَّة ضروريَّة لتخثُّر الدم، ومن الأمراض الجينيَّة الوراثيَّة أيضاً:فقر الدم المنجلي(بالإنجليزية: Sickle cell anemia)، والتليُّف الكيسي (بالإنجليزية: Cystic fibrosis) الذي يسبِّب الضرر المستمرَّ لكلٍّ من الرئتين والبنكرياس، وبالرغم من ذلك قد يحدث تشوُّه الجينات نتيجة حادث عارض ضارٍّ مكتسب وغير وراثي، وهو ما يُعرَف طبِّياً بالطفرة التلقائيَّة، ومن الحالات التي تسبِّبها الطفرة التلقائيَّة مرض عجز النموِّ الغضروفي (بالإنجليزية: Achondroplasia)، إذ تعتبر هذه الطفرة السبب الأكثر شيوعاً للإصابة بهذا المرض، ويتمثَّل عجز النموِّ الغضروفي بقصر شديد في القامة وتشوُّه في العظام.
يمكن أن تسبِّب العوامل البيئيَّة تشوُّهات خلقيَّة لدى الجنين، وهي أيَّة عوامل تفوق الجينات المكوِّنة للفرد، وقد يتضمَّن ذلك نقص البيئة اللازم توفُّرها قبلالولادةأو بعدها.
تُعرَّف المواد المسبِّبة للتشوُّهات على أنَّها أيَّة مادة يمكن أن تزيد من خطر حدوث التشوُّهات، إذ يعتمد حدوث التشوُّهات لدى الجنين على وقت تعرُّض الحامل للمادة ومدَّة تعرُّضها وكميَّة المادة التي تعرَّضت لها، كما أنَّ المادة المسبِّبة للتشوُّه غالباً ما تؤثِّر في العضو الذي ينمو ويتطوَّر بشكلٍ سريع لدى الجنين في فترة التعرُّض للمادة، فقد تتعرَّض الحامل لإحدى هذه المواد أثناء تطوُّر أجزاء من دماغ الجنين، وبالتالي فإنَّ هذه الأجزاء هي الأكثر عرضة للإصابة بالتشوُّه أكثر من غيرها حين التعرُّض للمادة قبل أو بعد هذه الفترة الحرجة، ومن الجيِّد ذكره أنَّ معظم الحوامل اللواتي تعرَّضن لهذه المواد ينجبن أطفالاً أصحَّاء.
ويُعدُّ كلٌّ من الإصابة بالعدوى والتعرُّض للإشعاعات واستخدام الأدوية من العوامل المسبِّبة لمعظم التشوُّهات عند التعرُّض لها خلال الفترة الواقعة بين الأسبوع الثاني والعاشر بعد حدوثالحمل، إذ قد تكون المرأة غير مدركة أنَّها حامل لعدَّة أسابيع، وقد يتعرَّض الجنين خلال هذه الفترة للأشعَّة السينيَّة أو للأدوية أو المخدِّرات أو الكحول دون معرفة الأم بذلك، إذ إنَّ التعرُّض للإشعاعات خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل يؤدِّي إلى حدوث العديد من التشوُّهات، مثل: العمى، وصغر الرأس (بالإنجليزية: Microcephaly)&rlm، والشفَّة الأرنبيَّة (بالإنجليزية: cleft palate)، وتشقُّق العمود الفقري (بالإنجليزية: spina bifida) المتمثِّل بظهور فتحة أو ثقب في ظهر الجنين تدلُّ على عدم اكتمال نموِّ نهايات الأعصاب الشوكيَّة، أما تعرُّض الجنينللكحولفيؤدِّي إلى حدوث متلازمة الجنين الكحولي (بالإنجليزية: Fetal alcohol syndrome) والتي تتمثَّل بحدوث اضطراب عقلي نمائي لدى الجنين، بالإضافة إلى التهيُّج وفرط الحركة وصعوبات في التعلُّم وضعف في تناسق الحركات وظهور تشوُّهات في ملامح الوجه.
بالإضافة إلى تسبُّب إصابة المرأة بالعدوى، مثل:الحصبة الألمانيَّةأو الحميراء (بالإنجليزية: Rubella)&rlm خلال الفترة الأولى من الحمل حدوث تشوُّهات لدى الجنين،كما ترتبط الإصابة بفيروس زيكا (بالإنجليزية: Zika virus) أثناء الحمل بولادة طفل برأس صغير، بحيث يكون الدماغ والجمجمة أصغر من الحجم الطبيعي، كما ترتبط الإصابة بهذا الفيروس أثناء الحمل بحدوث مشاكل هيكليَّة في الدماغ،ومن أنواع العدوى الأخرى التي يمكن أن تسبِّب التشوُّهات لدى الجنين:جدري الماء، وداء المقوسات (بالإنجليزية: Toxoplasmosis)، إلا أنَّ هذه الأنواع تُعدُّ نادرة الحدوث، وذلك لأنَّ العديد من الأشخاص يتلقُّون لقاحات ضدَّ هذه الأنواع من العدوى،وفي الحقيقة إنَّ بعض أنواع هذه العدوى لا تسبِّب ظهور أيَّة أعراض، أو قد تسبِّب أعراضاً قليلة لدى البالغين، لذلك قد تصاب المرأة بنوع أو أكثر من هذه العدوى دون معرفتها بذلك.
ومن المواد المسبِّبة للتشوُّهات الجنينيَّة أيضاًالتدخين، إذ إنَّ التعرُّض للتدخين السلبي يسبِّب الضرر والأذى للجنين، كما أنَّ الأم المدخِّنة تنجب أطفالاً ذوي وزن منخفض عند الولادة،أما بالنسبة للأدوية فهناك العديد من الأدوية والمواد المخدِّرة التي يمكن أن تسبِّب تشوُّهات لدى الجنين، وتكمن خطورة هذه الأدوية عند استخدامها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل،ويمكن بيان هذه الأدوية كما يأتي:
إنَّ المرأة التي تعاني من انخفاض في الوزن بشكلٍ أقل من المستوى الطبيعي معرَّضة لإنجاب أطفال ذوي أوزان منخفضة عند الولادة، كما أنَّ المرأة التي تعاني منالسمنةأو زيادة الوزن من الممكن أن تكون معرَّضة للإصابة بحالات صحيَّة، مثل: السكَّري، وارتفاع ضغط الدم.
يعتبر عدم الحصول على كميَّات كافية منحمض الفوليكأثناء الحمل وقبل حدوثه من العوامل الرئيسيَّة للإصابة بتشوُّهات في الأنبوبة العصبيَّة (بالإنجليزية: Neural tube)،وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعض أنواع الأسماك، مثل: سمك القرش وسمك الماكريل وسمك السيف قد تحتوي على كميَّات كبيرة من الزئبق، وهو نوع من أنواع المعادن التي يمكن أن تسبِّب الأمراض لدى الأم أو الأطفال،وبالإضافة إلى ما سبق يسبِّب نقص عنصراليودأثناء فترة الحمل في إصابة الأم بقصور في الغدَّة الدرقيَّة، ممَّا يؤدِّي إلى حدوث متلازمة نقص اليود الخلقي أو الكثم (بالإنجليزية: Cretinism) لدى الأطفال، وهو قصور شديد في الغدَّة الدرقيَّة لدى الطفل أو الرضيع، وتتمثَّل هذه المتلازمة بمعاناة الطفل من الاضطراب العقلي النمائي، والحثل العظمي، وداء التقزُّم، وانخفاض معدَّل الأيض الأساسي.
ينمو الجنين ويتطوَّر داخل رحم الأم محاطاً بالسائل الأمينوسي (بالإنجليزية: Amniotic Fluid) الذي يُشبَّه بوسادة تحمي الجنين من الضغط المفرط، وفي حال تمزُّق الألياف الحاملة للسائل الأمينوسي فإنَّ حزماً من الألياف تخرج من الكيس وتلتفُّ حول الجنين مسبِّبة الضغط عليه، ويؤدِّي ذلك إلى الإصابة بمتلازمة الشريط السلوي (بالإنجليزية: Amniotic Band Syndrome) التي تتمثَّل ببتر ذراع أو ساق الجنين، ومن العوامل البيئيَّة الأخرى التي قد تسبِّب تشوُّهات الجنين هي عدم كفاية كميَّة السائل الأمينوسي، إذ يتسبَّب ذلك بوقوع ضغط إضافي على الجنين مسبِّباً نقص تنسُّج الرئة (بالإنجليزية: Pulmonary Hypoplasia)، والذي يتمثَّل بنقص في نموِّ وتطوُّرالرئتين.
يرتبط الانتماء لبعض المجموعات العرقيَّة بزيادة خطر الإصابة بتشوُّهات الجنين، كما يزداد خطر حدوث التشوُّهات لدى الوالدين الذين بينهما صلة قرابة أي ينتمون إلى النسب نفسه، أو يمتلكون تكويناً جينيّاً متشابهاً وذلك لزيادة احتماليَّة اشتراكهما بالاختلافات الجينيَّة، ممَّا قد يؤدِّي إلى حدوث تشوُّهات لدى الجنين، لذلك يُنصح بإجراء مسح للجينات لدى هؤلاء الأزواج لتحديد الاضطرابات الوراثيَّة المحتمل حدوثها قبل التفكير في الإنجاب، وبالإضافة إلى ذلك يُعدُّ عُمر الأم عاملاً مهمّاً لزيادة خطر حدوث التشوُّهات الجينيَّة، ففي حال كان عُمر الأم يفوق 34 عاماً عادة يزداد خطر حدوث تشوُّهات الجنين.
توجد مجموعة من العوامل الأخرى لحدوث تشوُّهات الجنين، ومنها ما يأتي:
يسعى الباحثون في كلِّ يوم إلى تحديد مسبِّبات التشوُّهات وكيفيَّة الوقاية منها، وفي الحقيقة يمكن زيادة احتماليَّة إنجاب طفل بصحَّة جيِّدة، لكن لا يمكن الوقاية من جميع التشوُّهات لدى الجنين، وتجدر الإشارة إلى أنَّ هناك العديد من التشوُّهات التي تحدث في وقت مبكِّر جدّاً من الحمل، وأخرى تحدث حتى قبل معرفة المرأة بأنَّها حامل في بعض الأحيان،ويمكن بيان بعض النصائح للحامل للوقاية من حدوث تشوُّهات لدى الجنين كما يأتي: