القرآن في اللغة: هو مصدر من كلمة قرأ، بمعنى الجمع، ويقال: قرأ قرآناً، ودليل ذلك قوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، وجاء في تفسير الآية: أي إذا جمعناه، وأثبتناه في صدرك فاعمل به، وقد اختص لفظ القرآن بكلام الله -سبحانه وتعالى- المنزل على نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى صار كأنه علماً عليه، أما في الاصطلاح الشرعي: فقد عرّفه البزدويّ فقال: "هو الكتاب المنزل على رسول الله، المكتوب في المصاحف، المنقول عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نقلاً متواتراً، بلا شبهة، وهو النظم والمعنى جميعاً في قول عامة العلماء"، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- للقرآن الكريم أسماءً متعدّدة، وصلت لخمسةٍ وخمسين اسماً، نذكر منها: الكتاب، المبين، النور، الهدى، الرحمة، الفرقان، الشفاء، الذكر، المبارك، الموعظة.
أمر الله -سبحانه وتعالى- نبيّه الكريم بتلاوة القرآن العظيم على أُمَّته، وأُمِرَت أمَّته بتلاوة القرآن، وتدبُّر آياته، والعمل به، فقراءة القرآن من الأمور التي يُطيَّب بها الفم، ويَزكو بها العمل، والمؤمن مندوبٌ لقراءة القرآن في كلِّ وقتٍ وحينٍ، فقد أثنى الله -سبحانه وتعالى- على عباده التالين لكتابه بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ)، فتلاوة القرآن تؤنس صاحبها، وتزيل وحشته، وترفع همته، وتزيده قلبه خشوعاً، وقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في المحافظة على ختم القرآن، فقد رُوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يختم القرآن في غير رمضان كل أسبوع، وفي رمضان كل ثلاثة أيام، وكان تَميم والأعمشُ يَختِمان كل سبعة أيام، وكان أُبَيٌّ يَخْتِمُه في ثمانية أيام، وكان الأسودُ يختِمُه كل ستة أيام، وكان علقمةُ يختمه كل خمسة أيام.
لذا فإن تلاوة القرآن الكريم وختمه لها فضائل عظيمة، ومزايا حسنة كما ورد في النصوص الشرعية، منها ما تحقّقه من الشفاعة لصاحبها في الآخرة، وتكثير الحسنات، ورفع الدرجات، والزيادة في اليقين، وانشراح الصدر، ومنها ما تحقّقه لصاحبها من المزايا في الدنيا؛ كالشفاء من الأمراض، واطمئنان الروح، وجلاء الهموم والأحزان، والتبصرة في الدين، ومن أهم هذه الفضائل ما يأتي:
لم يثبت لختم القرآن الكريم مدّة محدّدة في الشرع، لكن ما يمكن أن يقتدي به المسلم في ذلك هو ما أرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص بفعله عندما سأله عن كيفية قراءة القرآن؟ فانتهى معه إلى قراءته في كل أسبوع، وهذا الأفضل، ولكن إن زاد المسلم في مدة الختم فاستمر لعشرين يوماً، أو مدة شهر، فلا حرج والأمر واسع، ويستطيع المسلم أن يستفيد من هدي الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا يحزّبونه سبعة أحزاب، ويختمون في كل أسبوع، وهو عملٌ طيبٌ فيه تيسير وتخفيف للمشقّة، فكانو يقرؤون في اليوم الأول سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وفي اليوم الثاني سورة المائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، وهكذا في السبعة أيام، ثم يقرؤون في اليوم السابع حزب المفصل، من سورة ق، إلى آخر القرآن الكريم، لكن أقلّ مدة للختم هي: ثلاثة أيام، كما في الحديث: (لا يَفْقَهُ مَن قَرأهُ في أقلَّ مِن ثلاثٍ).
لكن العلماء اختلفو في النهي عن الختم في أقل من ثلاثة أيام الواردة في الحديث، وقال البعض أنه على سبيل الكراهة، ورأى آخرون أنه خاصٌ بالأيام والأوقات التي ليس لها مزية عن غيرها، أما في الأزمان الفاضلة كشهر رمضان وغيره، فلا حرج على المسلم في ختم القرآن بأقل من ثلاثة أيام، كذلك في الأماكن الفاضلة كمكة المكرمة، وفي المدينة المنورة كذلك، لأن النفس تكون في حالة إقبالٍ وانشراحٍ للعمل الصالح، وإنما كان النهي ليتمكّن القارئ من عقل القرآن الكريم، وفقه معانيه، وخشية السآمة والملل من العبادة.
لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاء مخصوص كان يدعو به عند ختم القرآن الكريم، أو أنه أرشد أحداً من صحابته إليه، لكن يُستحب لمن قرأ القرآن أن يدعو بعد قراءته بما شاء من خيريّ الدنيا والآخرة، ويسأل الله من فضله، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا القرآنَ، و سلوا اللهَ به، قبلَ أن يأتيَ قومٌ يقرؤون القرآنَ فيسألُون به الناسَ)، ولما ثبت عن الصحابي أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان إذا ختم القرآن الكريم جمع أولاده وأهل بيته فدعا بهم.
موسوعة موضوع