تُطلَق كلمة الأضحية في اللغة على: كلّ ما يُضحّى به، وجَمعها (أضاحي)، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ، فالأضحية: ما يذبحه المسلم في يوم النَّحْر؛ أي في يوم عيد الأضحى وما يليه من أيّام التشريق الثلاثة من بهيمة الأنعام؛ على وجه التعبُّد لله -سبحانه وتعالى-، ولهذه العبادة كما لغيرها أحكام وشروط، وبيان ذلك في ما يأتي:
يُعَدّ امتلاك صاحب الأضحية لها بطريقة شرعيّة أوّل شرط من شروط الأضحية؛ حتى تصحّ التضحية بها؛ فإن كانت مسروقة، أو تمّ امتلاكها بعقد فاسد، أو كانت مغصوبة، أو تمّ شراؤها بمال حرام، فإنّها لا تصحّ؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا)، وعلى المُضحّي أن يحرص على اختيار الأضحية الطيّبة؛ لأنّها ستكون قُربة لله -تعالى-، فيُقدّم الأضحية ذات الصفات المُستحَبّة، ويترك ذات الصفات الفاسدة.
تُشترَط النيّة قبل ذَبح الأضحية؛ لأنّ النيّة هي التي تُميّز كون الذَّبح للقُربة، أو لغيرها، ولا تكون القُربة إلّا بنيّة؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)، وقد اتّفق جمهور الفقهاء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة على أنّ الأضحية تتعيّن بالذَّبح، وخالفهم في ذلك أبو حنيفة الذي ذهب إلى أنّها تتعيّن بالشراء بنيّة الأضحية، ويرى الشافعية والحنابلة أنّ على المُضحّي أن ينوي التضحية بقلبه أو بلسانه حين ذَبحها، والتلفُّظ بها باللسان ليس شَرطاً؛ فالنيّة تنعقد بالقلب، واللسان دليلٌ عليها فقط، ورأى المالكيّة في المُعتمَد من مذهبهم أنّ النيّة تتعيّن بالذَّبح فقط.
تجزئ في الأضحية بهيمة الأنعام؛ وهي: الإبل، والبقر، والغنم، ومن الضأن تُجزئ الجذعة*، أمّا من المعز، والإبل، والبقر، فتُجزئ الثنيّة؛ لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)، وإن أراد عددٌ من الناس أن يشتركوا في الأضحية؛ فيجوز لهم ذلك في الإبل، والبقر؛ لأنّها تُجزئ عن سبعة أشخاص؛ قال جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُهِلِّينَ بالحَجِّ: فأمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ في الإبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا في بَدَنَةٍ)، أمّا الشاة، فلا تُجزئُ إلّا عن شخص واحد، وله أن يُشرك غيره في ثوابها، كأن يُشرك أهله، ونحو ذلك، وذلك ما فَعَله النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حين ضحّى بكبشَين، فقال: (اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بهِ).
وفاضلَ العلماء بين أنواع الأضحية؛ فرأى الشافعية، والحنفية، والحنابلة أنّ أفضل الأضحية البُدنة، ثمّ البقرة، ثمّ الشاة، ثمّ الاشتراك بجزءٍ من بقرة، وذهبوا إلى ذلك؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- جعل البُدنة أفضل ما يُتقرَّب به من الذَّبح في الحديث عن فضل الجمعة؛ إذ قال: (منِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً)؛ فهي أكثر الأضاحي ثمناً، وأنفعها لحماً، أمّا المالكية، فالأفضل عندهم ذكور الغنم؛ والغنم تشمل الضأن، والمَعز، والضأن أفضل عندهم في الأضحية من المعز.
أجمع العلماء على أنّ السنّ المُجزِئة في أضحية الإبل أن يكون قد دخل في السنة السادسة، والمُجزئ في البقر والمَعز أن يدخلا في السنة الثالثة، وأن يدخل الضأن في السنة الثانية، كما يُجزئ في الأضحية الجذع من الضأن، والثني من المعز؛ فإن أتمّ الضأن شهره السادس ودخل في شهره السابع فإنّه يُجزئ، ويمكن للمُضحّي معرفة أنّ الضأن قد أجذع حين يميل الصوف على ظهره، وإن أتمّت المعز عامها الأوّل ودخلت في عامها الثاني؛ فهي الثني، وتُجزئ في الأضحية، وقد حصر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- البقر الذي يُشرَع ذَبحه في المُسِنّة؛ فقال: (لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً)؛ والمُسنّة من البقر هي التي أتمّت عامَين ودخلت في الثالثة، ولا يُشرَع للمسلم أن يذبح أضحية إلّا بالشروط التي وردت فيها النصوص.
قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لا يجوزُ مِنَ الضحايا: العَوْرَاءُ الَبيِّنُ عَوَرُهَا، والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُهَا، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا، والعَجْفَاءُ التي لا تُنْقِي)، وقد ذكر العلماء عدداً من العيوب التي تنفي إجزاء الأضحية؛ فالبهيمة التي لا تُجزئ هي ما كان فيها الآتي:
وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك عيوباً مكروهة الوجود في الأضحية، ومن ذلك: التضحية بالعصماء والشرقاء، والعصماء هي: مكسورة القرن، أمّا الشرقاء، فهي: من اختُرِقت أُذُنها نتيجة الكيّ، وتُكرَه أيضاً التضحية بالخَرقاء؛ وهي ذات الأُذُن المَشقوقة بالطول، بالإضافة إلى أنّ التضحية بالعضباء مكروهة أيضاً؛ وهي التي انكسر قَرْنها بالكامل؛ وكراهة ذلك كلّه جاءت من كون هذه الصفات تُشينها.
يدخل وقت الأضحية عند الحنفية بطلوع فجر يوم عيد الأضحى، وإن لم تكن هناك صلاة عيد لأيّ سبب من الأسباب، فإنّ المُضحّي يُقدّر وقت انتهاء الصلاة؛ وذلك بزوال الشمس، ثمّ يذبَح، ويدخل وقتها عند المالكّية للمُصلّي في يوم النَّحر بعد انتهاء الإمام من ذَبح أضحيته، وذلك بعد انتهاء صلاة العيد والخطبتَين، وتكون في حَقّ الإمام حين فراغه من صلاة العيد والخُطبتَين مباشرة؛ وهو أحد أقوال الحنابلة، ويدخل وقتها عند الشافعيّة بعد طلوع الشمس من يوم النَّحر، ويُقدَّر الوقت بما يتّسع لأداء ركعتَين خفيفتَين وخُطبتَين قصيرتَين؛ وهو أحد أقوال الحنابلة، أمّا الحنابلة فيذهبون في القول المُعتمَد عندهم إلى أنّ وقت الأضحية يدخل فَور انتهاء صلاة العيد حتى وإن لم ينتظر المُصلّي الخُطبتَين، إلّا أنّ انتظار انتهاء الخُطبتَين أفضل، واختلف الفقهاء في تحديد انتهاء وقت الأضحية، وبيان ذلك فيما يأتي:
أمّا في ما يتعلّق ببيان حُكم الذَّبح ليلاً، فقد ذهب العلماء إلى قولَين، هما:
تُعَدّ التسمية عند الذَّبح واجبة عند الحنفية، والمالكية، والحنابلة؛ لقوله -تعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)، ويُباح عندهم تَركها سَهواً؛ فالمسلم غير مُؤاخَذٍ على السَّهو والنسيان، أمّا الشافعيّة فيرون أنّ التسمية سُنّة عند الذَّبح؛ وقد استدلّوا على ذلك بالحديث الذي ورد عن ابن عمر -رضي الله عنه-، إذ قال: (أنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بنِ مَالِكٍ تَرْعَى غَنَمًا له بالجُبَيْلِ الذي بالسُّوقِ، وهو بسَلْعٍ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا به، فَذَكَرُوا للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأمَرَهُمْ بأَكْلِهَا.)،وذهب الإمام ابن تيمية إلى أنّ التسمية على الذبيحة شَرط لأكلها، ولا تسقط عن المُضحّي بأيّ حال؛ لا بسَهو، ولا بجَهل، ولا بعَمد، وهي أيضاً رواية عن الإمام مالك، والإمام أحمد.
اشترط العلماء للمُذكّي عدّة شروط، وبيانها فيما يأتي:
موسوعة موضوع