موارد المياه بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.
تعد المياه الجوفية المورد الطبيعي الدائم للمياه في منطقة مكة المكرمة، كما هو الحال في بقية مناطق المملكة العربية السعودية، وذلك لقلة الأمطار ولعدم وجود أنهار دائمة الجريان فيها، وتعتمد خصائص الخزانات وخصائص المياه الجوفية فيها على الخصائص الجيولوجية والجيومورفولوجية والمناخية، وبما أن المنطقة تقع ضمن الدرع العربي الذي يتكون من صخور نارية وصخور متحولة، ويصرف مياه الأمطار فيها عدد كبير من الأودية الكبيرة نسبيًا، لذا فإنها تحتوي فقط على المياه الجوفية المتجددة في خزانات المياه الضحلة، وتستخرج المياه الجوفية من خلال حفر الآبار واستخدام المضخات، ولكنها قد تخرج إلى سطح الأرض بشكل طبيعي كما في العيون والينابيع. وفي بعض المناطق كان الإنسان يعمل بطريقة هندسية على حفر قنوات أفقية تحت سطح الأرض تسمح بخروج الماء إلى السطح دون الحاجة إلى استخدام مضخات، وهذا ما يسمى بالعيون الصناعية
ونتيجة لاستمرارية الزيادة في عدد السكان، وكذلك تحسن مستواهم المعيشي فإن الطلب على المياه في ازدياد، ولهذا السبب ولقلة الموارد المائية في المنطقة فإن عددًا من الطرق تطبق بهدف رفع الكفاءة في استخدام المياه، وفي مقدمتها ترشيد الاستهلاك المنـزلي للمياه من خلال برامج التوعية المستمرة، والتشجيع على استخدام طرق الري الحديثة الناجحة، كما يتم في الوقت نفسه العمل على تعزيز الموارد المائية وتخفيف الضغط عليها بزيادة كميتها، من خلال زيادة تغذية المياه الجوفية (التغذية الصناعية)، أو بإيجاد موارد مائية أخرى غير تقليدية، مثل تحلية مياه البحر المالحة وإعادة استخدام المياه
ويهدف هذا الفصل إلى التعريف بالموارد المائية في منطقة مكة المكرمة بصورة عامة مع إلقاء الضوء على خصائصها بشيء من الإيجاز، من خلال الاعتماد على ما هو متوافر من معلومات وبيانات في الدراسات السابقة وفي الوزارات والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة
مياه السيول
تمتد سلسلة جبال السروات والحجاز من الشمال إلى الجنوب في وسط منطقة مكة المكرمة، وتشغل جزءًا كبيرًا منها، وتعد هذه السلسلة الجبلية خط تقسيم رئيسًا للمياه، إذ تنحدر منها أودية كثيرة جدًا تتجه بشكل عام إلى الأجزاء الداخلية من المملكة العربية السعودية نحو الشرق، أو تتجه نحو الغرب لتصب في البحر الأحمر كما سبق ذكره
يحدث غالبًا جريان مياه السيول في بطون الأودية في مواسم سقوط الأمطار؛ لأن الأجزاء العليا من مجاريها تتكون من صخور قليلة النفاذية وتتصف بشدة الانحدار فيها، كما أن كمية الأمطار التي تسقط عليها قد تكون كبيرة نسبيًا، كما سبقت الإشارة إليها، وقد أكد (Cullen) أن مياه السيول قد تجري في أودية مكة المكرمة وفي شوارعها بارتفاع يصل إلى مترين، وبسرعة قادرة على جرف ما في طريقها من ممتلكات وسيارات وحيوانات وأحيانًا تسبب خسائر في الأرواح. وكثيرًا ما تشهد أودية مكة المكرمة سيولاً عارمة خصوصًا الأودية المنحدرة من الواجهة الغربية لجبال السراة، كوادي القنفذة، ووادي الليث، ووادي فاطمة، ووادي رابغ، ففي 16 رمضان 1424هـ الموافق 11 نوفمبر 2003م سقطت أمطار غزيرة على منطقة مكة المكرمة أدت إلى حدوث سيول جارفة احتجزت "عددًا كبيرًا من المواطنين في محافظة خليص، وقد خصص الدفاع المدني طائرة مروحية لنقل المحتجزين الذين لم تسمح لهم السيول بالعبور
وتشير التقديرات والقياسات المتوافرة عن تدفق مياه السيول إلى اختلافها من مكان إلى آخر، إذ يقدر المتوسط السنوي لجريان مياه السيول في وادي تربة بنحو 2.2م /ث، و 1.9م /ث في وادي رنية، بينما يقدر المتوسط السنوي لمياه السيول بنحو 0.79م /ث في أودية الطائف (وج، القيم، لية، وبيسل)
ويتضح من هذه التقديرات أن جميع السنين في هذه الفترة حدث فيها جريان سطحي ما عدا عام 1396هـ / 1976م، وعام 1400هـ / 1980م، وعام 1401هـ / 1981م التي تمثل نحو 23% من سنوات التسجيل، كما أن ذروة السيول السنوية تختلف من سنة إلى أخرى، فقد بلغت أقصاها في عام 1402هـ / 1982م
يعتمد السكان جزئيًا على مياه السيول، وبخاصة لري المزارع في بطون الأودية أو المدرجات الزراعية المنشأة على منحدرات (سفوح) الجبال، فقد ذكر الثقفي أنه: "تتميز هذه الوديان بانحدارها التدريجي، وعلى جوانبها تنتشر الأراضي الزراعية بشكل تدريجي من أعلى الوادي إلى أسفله، وهي خصبة وإنتاجها جيد خاصة أن الأهالي اهتموا بجدولة المياه من الجبال لإيصال المياه إلى الأمكنة الواقعة على ضفاف الوديان بطريقة سهلة وسريعة"، ويشير الثقفي أيضًا إلى أنه "لزيادة كمية المياه في البئر أو لإشباع الأراضي بالماء أثناء نـزول الأمطار، فقد قام المزارعون بتنظيم وبناء قنوات مائية تبدأ من أعالي الجبال حتى الأمكنة المقصود ريها، وهي ما تسمى بالفالقة جمعها فوالق وغالبًا ما تقوم المنازعات بين المزارعين حول هذه القنوات"
المياه الجوفية قليلة العمق (الضحلة)
تقع منطقة مكة المكرمة ضمن الدرع العربي الذي يتكون من صخور نارية ومتحولة قديمة (ما قبل الكمبري)، وتغطي الرواسب الفيضية في بعض الأمكنة هذه الصخور القديمة، كما تغطي أيضًا أجزاء كبيرة منها حقول اللابة البركانية (lava fields) (الحرات) الحديثة نسبيًا التي تقدر أعمار معظمها بنحو 13 مليون سنة ؛ لذا فإن المنطقة تحتوي فقط على مياه جوفية قليلة العمق مخزونة إما في الرواسب الفيضية بالأودية (alluvial aquifers) وما تحتها من صخور مجواة (weathered) وشقوق وصدوع (fractures)، أو في الحرات التي تتكون من صخور البازلت (basalt aquifers) التي تغطي أيضًا في بعض الأمكنة الرواسب الفيضية الأقدم منها، وفي الغالب تكون خزانات المياه من النوع الحر (unconfined) التي تكون المياه فيها تحت ضغط متعادل مع الضغط الجوي، ويكون مستوى الماء الجوفي فيها ليس خطًا أفقيًا مستقيمًا بل يكون حرًا ليرتفع في مكان أو ينخفض في مكان آخر حسب ظروف تغذيته بالمياه أو استخدام مياهه
تحتوي بطون الأودية خليطًا من المواد الصخرية المفككة رسبتها المياه الجارية في العصر الرباعي وتختلف سماكتها وحجم حبيباتها من مكان إلى آخر، فسماكتها قد لا تتعدى عددًا قليلاً من الأمتار ولكنها في بعض الأمكنة قد تصل إلى عشرات الأمتار، وتكون حبيباتها في الغالب خليطًا من المواد في حجم السلت (مواد الطمي الناعمة) والرمل والبطحاء والجلاميد، ولكن بشكل عام تكون الرواسب أقل سماكة وأكثر خشونة في الأجزاء العليا من الأودية، وتزداد سماكتها ونعومتها باتجاه الأجزاء السفلى منها
تقع الأجزاء الجنوبية من حرة رهاط ضمن منطقة مكة المكرمة، فهي تمتد من وادي فاطمة شمال مكة المكرمة إلى الجنوب قليلاً من المدينة المنورة لمسافة تبلغ نحو 310كم، وبعرض في المتوسط يقارب 60كم، وتغطي مساحة واسعة تقارب 18100كم . وتوجد في حرة رهاط خزانات جيدة للمياه الجوفية؛ لأنها تتكون من صخور البازلت المنفذة التي تغطي في بعض الأمكنة الرواسب الفيضية القديمة التي تكونت قبل تدفق اللافا
يتبين مما سبق أن رواسب الأودية الحديثة والقديمة، وصخور البازلت في الحرات تخزن كميات من المياه الجوفية المتجددة المعتمدة على مياه الأمطار والسيول الحالية التي تعد المورد المائي الطبيعي الدائم في المنطقة، ولكن تختلف كميات المياه التي تخزنها الرواسب الفيضية وصخور البازلت في الحرات، وكذلك نوعيتها وعمقها من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر
خصائص عدد من آبار مياه الشرب التابعة لوزارة المياه والكهرباء، وخصائص المياه الجوفية فيها وذلك في أمكنة متفرقة، ويتضح من هذا الجدول أن الآبار التقليدية اليدوية المحفورة في رواسب الأودية وما تحتها من شقوق وصخور مجواة غير عميقة، إذ إن أعماقها الكلية تبلغ نحو 20م، وهذا راجع إلى قلة سمك الطبقات الخازنة للمياه الجوفية في الأودية بشكل عام، ولكنها في بعض الأمكنة قد تصل إلى 50م؛ ففي مسح لأكثر من 150 بئرًا أغلبها يدوية بوادي قديد تبين أن أعماق الآبار في الوادي تراوح بين 10 و 20م . كما أن عينة تتكون من 20 بئرًا يدوية أخذت على طول وادي تربة قد أظهرت أيضًا أن الأعماق الكلية للآبار تراوح بين 11 و 18.5م، ولكن الآبار اليدوية التي أخذت عينات على طول وادي وج بينت أن أعماق الآبار تراوح بين 25 و 40م . ويتضح من الجدول أيضًا أن الآبار المحفورة في الحرات (صخور البازلت المشققة وما تحتها من رواسب فيضية قديمة) من النوع الأنبوبي التي تكون أقطارها نحو 30سم، وقد حفرت على أعماق تراوح بين 60 و 150م، وأغلب هذه الآبار تتجاوز أعماقها 100م، مما يدل على سماكة الطبقة الخازنة للمياه في الحرات
يعد اختلاف عمق سطح المياه الجوفية سمة من سمات خزانات المياه الجوفية الحرة التي يختلف فيها مستوى الماء الجوفي غالبًا من مكان إلى آخر وفقًا لكميات التغذية وكميات السحب وسماكة الطبقة الخازنة للماء، ولكن بشكل عام يكون مستوى الماء الجوفي أقرب للسطح في الأجزاء العليا من الأودية ويزداد عمقًا باتجاه الأجزاء السفلى منها؛ ففي بعض أودية المنطقة ذكر بازهير وزملاؤه (Bazuhair, et. al). أن عمق المياه الجوفية من سطح الأرض بوادي مرواني يراوح بين 7 و 18م، بينما يراوح عمق المياه الجوفية من سطح الأرض بوادي تربة بين 9.4 و 14.9م، أما في وادي وج فإن عمق المياه الجوفية من سطح الأرض يراوح بين 13.9 و 19.1م. وإن خزانات الرواسب الفيضية في الأودية تمتد غالبًا على مساحات صغيرة وتعتمد في تغذيتها على الأمطار المحلية الحالية، الأمر الذي يجعل كميات المياه فيها تتذبذب بشكل سريع نسبيًا وفقًا لمعدلات التغذية (Recharge) والتصريف (السحب) (Discharge)
أما مستوى الماء الجوفي في خزانات صخور البازلت المشققة، وما تحتها من رواسب فيضية قديمة فإنه قريب جدًا من السطح في بعض الأمكنة، فـ (جدول 28) يبين مستوى الماء الثابت ومستوى الماء المتحرك في 7 آبار أنبوبية حفرتها وزارة الزراعة والمياه (تتبع حاليًا وزارة المياه والكهرباء) في أمكنة متفرقة من حرة رهط بمنطقة مكة المكرمة بهدف توفير مياه الشرب لسكان القرى والهجر فيها، ويتضح من هذا الجدول أن عمق مستوى الماء الجوفي (مستوى الماء الثابت) يراوح في تلك الآبار بين 2.25 و 31.6م، أما مستوى الماء الجوفي أثناء ضخ المياه من البئر (مستوى الماء المتحرك) فإنه أيضًا يختلف من بئر إلى أخرى ويراوح بين 15.67 و 67.28م، والاختلاف في مستوى الماء المتحرك يرجع بشكل رئيس إلى اختلاف الناقلية (Transmissivity) في الخزان واختلاف كميات المياه التي تضخ من البئر، لأن مستوى سطح الماء في البئر يهبط أثناء عملية ضخ المياه منها إلى أن يصل حدًا معينًا تتساوى عنده كميات المياه الداخلة إلى البئر من خزان المياه الجوفية وكميات المياه التي تخرجها المضخة من البئر
من جهة أخرى ار المحفورة على رواسب الأودية وما تحتها من صخور مجواة وشقوق، إذ يراوح بين 30 و 200 جالون /دقيقة، في حين أن إنتاج الآبار المحفورة في حرة رهط على خزانات صخور البازلت المشققة وما تحتها من رواسب فيضية قديمة تعد جيدة التخزين للماء إذ يصل إنتاج بعض الآبار إلى 990 جالونًا /دقيقة 5700م /يوم، ولم تنضب المياه من هذه الآبار بعد فترة من الضخ سوى في بئر واحدة ذات إنتاجية منخفضة جدًا 20 جالونًا /دقيقة، أما بقية الآبار فقد هبط مستوى الماء فيها إلى حد معين يتساوى عنده الداخل إلى البئر مع الخارج منها، ولا يمثل هبوط الماء في البئر بسبب الضخ منها إلا نسبة صغيرة من عمقها الكلي، فعلى سبيل المثال وصل إنتاج البئر رقم 3ط - 65 إلى 990 جالونًا /دقيقة، وقد حفرت بعمق 132م، ومستوى الماء الثابت فيها على عمق 31.6م، وعمق مستوى الماء المتحرك 34.7م، أي أن مقدار انخفاض مستوى الماء نتيجة الضخ من البئر يساوي 3.1م فقط، مما يدل على إمكانية استمرارية ضخ نحو 6000م يوميًا من هذه البئر دون أن يؤدي ذلك إلى نضوب الماء منها
تعتمد كميات المياه في خزانات المياه الجوفية وإمكانية استغلالها على الخصائص الهيدرولوكية (Hydraulic) لخزان المياه الجوفية (خاصة الناقلية Transmissivity والمخزونية Storativity) إذ يعبر عن المخزونية في الخزانات المحصورة بمعامل التخزين (Storage coefficient) وفي الخزانات الحرة بالقدرة الإنتاجية أو التصريف النوعي (Specific Yield) . تحكم الناقلية بدرجة كبيرة حجم المياه الجوفية المتحركة نحو البئر، بينما يعتمد حجم المياه الموجودة في الخزان على المخزونية، ومعامل التخزين والقدرة الإنتاجية ليس لها أبعاد، بينما الوحدات المستخدمة للتعبير عن الناقلية هي (م / يوم /م) وتختصر في العادة لتصبح (م /يوم) . وتشير الدراسات السابقة إلى وجود تفاوت كبير بين قيم الناقلية والمخزونية في خزانات المياه الجوفية بأودية منطقة مكة المكرمة، إذ تراوح الناقلية من منخفضة 78م /يوم إلى عالية جدًا 5813م /يوم، كما تشير أيضًا إلى تفاوت قيم المخزونية بشكل كبير في خزانات الأودية، إذ تراوح بين 0.0003 و 0.20
لا توجد المياه الجوفية بحالة نقية من المواد الصلبة الذائبة (الأملاح)، فهي تحتوي على قدر معين من الأملاح الذائبة، وتحدد درجة تركيز الأملاح في الماء مدى ملاءمتها للشرب أو لري نوع معين من المحصولات الزراعية، وتبعًا لمواصفات منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب يكون الحد الأعلى المناسب (المرغوب) لتركيز المواد الصلبة الذائبة 500ملجم / لتر والتوصيل الكهربائي نحو 770 ميكروموز / سم، بينما يكون الحد الأعلى المسموح 1500ملجم /لتر، نحو 2300 ميكروموز /سم . كما أن المحصولات الزراعية تختلف في قدرة تحملها للملوحة، إذ إن بعض النباتات حساسة للأملاح مثل البرتقال، بينما يتحمل النخيل والبرسيم التركيز العالي للأملاح
تعد المواد الصخرية المصدر الرئيس للأملاح في خزانات المياه الجوفية، فالمياه وما تحتويه من مواد ذائبة تتفاعل مع المواد الصخرية لفترة من الزمن تبدأ بسقوط الأمطار على سطح الأرض مما يؤدي إلى تحللها وإذابتها، ولكن يختلف تركيز الأملاح في الماء باختلاف المواد الصخرية، إذ إن بعضها يتكون من معادن قابلة للذوبان، وبعضها يتكون من معادن غير قابلة للذوبان
تركيز الأملاح في المياه الجوفية في بعض أودية منطقة مكة المكرمة، ويتبين من هذا الجدول اختلاف نوعية المياه الجوفية من وادٍ إلى آخر، ومن مكان إلى آخر في الوادي نفسه، ويتضح أيضًا أن أقل قيمة لمجموع المواد الصلبة الذائبة وجدت في البئر رقم TR - 16 في حوض وادي تربة التي تساوي 434ملجم / لتر، كما وجدت أعلى قيمة في حوض وادي تربة في البئر رقم TR - 07 التي تساوي 27266ملجم /لتر، ويلاحظ هنا التباين الكبير في تركيز الأملاح بالمياه الجوفية في أودية المنطقة بشكل عام وفي حوض وادي تربة بشكل خاص، ففي حين لا توجد عينات يقل تركيز الأملاح فيها عن 1500ملجم /لتر في وادي غران، فإن نحو 93% من العينات في وادي مرواني، نحو 35% في وادي تربة، ونحو 75% في وادي وج تقل عن ذلك، كما أن نحو 40% من عينات المياه في وادي تربة يزيد تركيز الأملاح فيها على 5000ملجم /لتر
تستخرج المياه الجوفية في منطقة مكة المكرمة من خلال آبار تحفر في الطبقات الخازنة للمياه، وكانت المياه في الماضي تستخرج بالطرق اليدوية أو باستخدام الحيوانات، وتقسم الآبار إلى نوعين هما: الآبار التي تحفر باليد وتكون واسعة نسبيًا بقطر يراوح بين 1 و 4م، والآبار الأنبوبية التي تحفر بآلات خاصة ويكون قطرها في المتوسط 30سم، وفي الوقت الحاضر تستخرج المياه الجوفية من الآبار اليدوية أو الآبار الأنبوبية باستخدام المضخات الحديثة، أما في الماضي فكانت المياه الجوفية تستخرج من الآبار اليدوية فقط. وتعد بئر زمزم أشهر وأقدم بئر على وجه الأرض وماؤها خير ماء عليه وذلك لمكانتها الدينية المتميزة عند المسلمين
بئر زمزم
تقع بئر زمزم جنوب شرق مقام إبراهيم على بعد 20م شرق الكعبة المشرفة محاذية لبابها . وتشير الكتب الجغرافية والتاريخية إلى اهتمام السابقين بقياس أبعاد بئر زمزم ووصف العيون التي تغذيها بالماء، فقد روى ياقوت الحموي البغدادي عن محمد بن أحمد الهمداني أنه قال: "وكان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعًا، وفي قعرها ثلاث عيون: عين حذاء الركن الأسود، وأخرى حذاء أبي قبيس والصفا، وأخرى حذاء المروة ثم قلَّ ماؤها جدًا حتى كادت تجف، وذلك في سنة 223 أو 224هـ / 838 أو 839م، فحفر فيها محمد بن الضحاك تسعة أذرع فزاد ماؤها واتسع ثم جاء الله بالأمطار والسيول في سنة 225هـ / 840م فكثر ماؤها، وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه أحد عشر ذراعًا وهو مطوي والباقي فهو منقور في الحجر، وهو تسعة وعشرون ذراعًا، وذرع تدويرها أحد عشر ذراعًا، وسعة فمها ثلاثة أذرع وثلثا ذراع". ويساوي الذراع نحو 56.25سم. ويؤكد كوشك أن عمق بئر زمزم نحو 32م وقطرها نحو 1.67م، مشيرًا إلى أن هذه القياسات التي قام بها فريق تنظيف بئر زمزم عام 1400هـ / 1980م لا تختلف كثيرًا عن القياسات التي وردت في كتب التراث، وأكد أيضًا أن القدر الأكبر من المياه يأتيها من عين في اتجاه الكعبة المشرفة، والمصدر الثاني للمياه في بئر زمزم يأتي من عين باتجاه أجياد
أجري في عام 1391هـ / 1971م ضخ اختباري لتحديد إنتاجية بئر زمزم من المياه باستخدام المضخات المركبة على البئر، وقد وجد أنها تراوح بين 164.5 و 217.3 جالون /دقيقة 14 و 18 لتر /ثانية، وكان أقصى انخفاض لمستوى سطح الماء أثناء عمليات الضخ 2.6م (مستوى الماء المتحرك)، ويدل ذلك على إمكانية زيادة إنتاجية البئر بتركيب مضخات أكبر . ومن جهة أخرى أجري عدد من التحاليل الكيميائية والبيولوجية لعينات من مياه بئر زمزم
وأظهرت التحاليل البيولوجية وجود بعض الميكروبات في مياه زمزم، وقد ذكر كوشك أنه "باستمرار الضخ من البئر وباستمرار تكشف هذه العيون مرة بعد أخرى أدى ذلك إلى تنظيف هذه العيون واختفاء جميع الميكروبات المرضية، وكذلك ميكروبات السالمونيلا والشيجيلا وكذلك ميكروب اشرشيا كولاي، أما الميكروبات الموجودة طبيعيًا في المياه، فقد ظهرت بمعدل يكاد يكون ثابتًا في العين الكبرى، بينما استمرت أعداد هذه الميكروبات في الانخفاض في العين الصغرى، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مصادر مياه زمزم الأساسية خالية تمامًا من أي نوع من الميكروبات المسببة للتلوث"، وعلى الرغم من ثبوت عدم تلوثها فإن مياه زمزم يتم تطهيرها قبل أن تقدم للحجاج والمعتمرين وذلك من خلال تعقيمها بالكلور وبتعريض مياهها للأشعة فوق البنفسجية والأوزون