نشأة مملكة لحيان وتطورها التاريخي بالمدينة المنورة في المملكة السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
نشأة مملكة لحيان وتطورها التاريخي بالمدينة المنورة في المملكة السعودية

نشأة مملكة لحيان وتطورها التاريخي بالمدينة المنورة في المملكة السعودية.

 
 
أسفرت الدراسات الآثارية في منطقة العلا عن الكشف عن مجموعة من المخلفات الأثرية اللحيانية من أبرزها الكشف عن كثير من النقوش اللحيانية في موقع دادان نفسه، وعلى أسطح سفوح الجبال المحيطة في جبل عكمة وأم درج  وغيرها، ولكن مضامين هذه النقوش لم تشر لا من قريب أو من بعيد إلى أصل اللحيانيين، أو حتى إلى كيفية نشأة مملكتهم في واحة دادان القديمة؛ فمضامين النقوش اللحيانية المعروفة - حتى الآن - تؤكد فقط على قيام مملكة لحيان وتكتفي بذكر عدد من ملوكها، وفي ضوء ذلك تعددت آراء الباحثين في التاريخ العربي القديم، خصوصًا من تعرضوا لتاريخ مملكة لحيان، واختلفوا في تاريخ نشأة مملكة لحيان ومراحل حكمها للمنطقة، فمنهم من يرى أن مملكة لحيان مرت بمرحلتين تاريخيتين، وبعضهم يرى أنها مرت بثلاث مراحل تاريخية، فبينما ذهب وينت (Winnett) إلى أن مملكة لحيان قامت في القرن الخامس قبل الميلاد على أنقاض مملكة دادان ثم استمرت حتى القرن الثالث قبل الميلاد، وأعقبتها مباشرة المرحلة الثانية لمملكة لحيان حتى سقوطها على يد ملوك الأنباط  ،  يرى فرنر كاسكل (Caskel) أن مملكة لحيان مرت بمرحلتين تاريخيتين أيضًا، ولكنه يحدد تاريخ لحيان الأولى في الفترة ما بين عام 115 و 9 ق.م، ثم أعقبتها فترة من الزمن شهدت سيطرة من قبل مملكة الأنباط على المنطقة حتى عام 80م، إذ أعقب هذا التاريخ عودة لحيان الثانية وسيطرتها على مجريات السياسة في واحة العلا حتى عام 134م على حد زعم كاسكل  
 
وعندما يمعن النظر في الآراء آنفة الذكر يجد أنها يشوبها عدم الدقة، خصوصًا وجهة نظر فرنر كاسكل التي لم يستند فيها إلى أدلة تبين الأساس الذي بنى عليه مثل هذا التقسيم لتاريخ مملكة لحيان. وهي بعبارة أخرى - ومن وجهة نظر علمية - تعتمد على الحدس والتخمين، أما وجهة نظر وينت (Winnett) فعلى الرغم من أن رأيه بتقسيم تاريخ مملكة لحيان إلى مرحلتين حضاريتين غير مبرر   في ضوء الشواهد التاريخية المعروفة عن مملكة لحيان، إلا أن تأريخه لقيام تلك المملكة في القرن الخامس قبل الميلاد أقرب إلى الصواب، ويتفق إلى حد كبير مع معطيات شواهد آثار اللحيانيين ونقوشهم التي كُشف عنها حتى الآن في واحة دادان القديمة.
 
لقد كشفت شواهد النقوش اللحيانية  أسماء بعض ملوك دولة لحيان، فقد بلغ المعروف منهم - حتى الآن - اثني عشر ملكًا هم على النحو الآتي:
 
 شهر بن هنأس  . 
 
 هنأس بن شهر  . 
 
 عبدان بن هنأس  . 
 
 لوذان بن هنأس  . 
 
 جشم بن لوذان  . 
 
 تلمي بن لوذان  . 
 
 تلمي بن هنأس  . 
 
 هنأس بن تلمي  . 
 
 جلت قوس  . 
 
سلحان  . 
 
فضج  . 
 
 ذأب سموي  . 
 
 مسعود.
 
وفي ضوء ما عرف حتى الآن من أسماء حكام مملكة لحيان يذهب بعض الدارسين إلى محاولة وضع قائمة بتسلسل ملوك لحيان حسب ورودهم في النقوش اللحيانية، فقد جعل فرنر كاسكل   الملك اللحياني (هنأس بن شهر) على رأس قائمة ملوك لحيان، أما كتشن   فيرى أن أباه (شهر) هو أول حاكم لحياني، أما آخر حاكم لحياني فهو (فضجو) عند فرنر كاسكل، و (عبدان بن هنأس) عند كتشن، ولكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الأذهان أن هذا التحقيب الزمني لملوك لحيان لا يقوم على أسس ثابتة، وليس من دليل لدى الدارسين حتى الآن في النقوش اللحيانية نفسها أو من الشواهد التاريخية الأخرى يحدد أول حاكم لحياني، أو حتى آخر من حكم لحيان.
 
من جانب آخر فإن قائمة ملوك لحيان لم تكتشف كلها، فالشواهد المكتشفة حتى الآن لا تمثل بأي حال من الأحوال جميع الموروث النقشي لمملكة لحيان، بل إن ما كشف حتى الآن لا يمثل سوى تلك النقوش الظاهرة على سطح مواقع المستوطنات اللحيانية، أو على سفوح الجبال المحيطة في واحة دادان القديمة.
 
ومن المؤكد أن ثمة عددًا كثيرًا من النقوش اللحيانية التي يرد في متونها ذكر لحكام مملكة لحيان لم تكتشف بعد، لذا فإن أي محاولة لوضع قائمة تثبت التسلسل الزمني لفترات ملوك لحيان فيها تسرع وسابقة لأوانها  .  وليس أمام المرء سوى الانتظار عما ستكشفه الأعمال الأثرية الميدانية التي بدأت في دادان (الخريبة) مركز الدولة اللحيانية.
 
وتشير النقوش اللحيانية الملكية المذكورة أعلاه إلى أن اللحيانيين عاشوا في ظل حكم مملكتهم حياة مستقرة، أسهم في استقرارها قوة حكامها في إدارة شؤون الدولة، فعلى ما يبدو من شواهد الآثار والنقوش اللحيانية نفسها فإن قبيلة لحيان كانت تحكم قبضتها على البلاد، فلم تتحدث النقوش المعروفة - حتى الآن - عن نـزاعات أو قلاقل سياسية عاشتها المملكة طوال خمسة قرون متتالية، كما لم يبرز على الساحة السياسية - آنذاك - أي زعامات أخرى تنافس الملوك اللحيانيين على إدارة شؤون مملكتهم. ولا ريب في أن ثمة عوامل أسهمت في استقرار مملكة لحيان وازدهارها طوال تلك الفترة الزمنية لعل من أبرزها:
 
 الموقع المميز لمملكة لحيان في واحة العلا، ذلك الموقع على الطريق التجاري القديم (ما يسمى بطريق البخور) الذي كان يمتد من أقصى جنوبي الجزيرة العربية مرورًا بالواحات والمراكز التجارية وسط جزيرة العرب وشمالها حتى دول حوض البحر الأبيض المتوسط.
 
 اهتمام سكان واحة العلا (دادان قديمًا) في جعل واحتهم مركزًا تجاريًا مهمًا في شمال غربي جزيرة العرب، فقد كانت القوافل التجارية القادمة من أرجاء متفرقة من الجزيرة العربية تمر عبر دادان وتحط رحالها فيها، الأمر الذي جعل تلك المنطقة تزدهر تجاريًا.
 
 اهتمام اللحيانيين بالزراعة،  وقد ساعدهم على ذلك موقع دولتهم على ضفاف وادي القرى،  ذلك الوادي الذي يشتمل على مقومات بيئية وخصوبة في التربة ووفرة في المياه ساهمت في نماء الاقتصاد الزراعي في واحة دادان.
 
وبفضل تضافر هذه المقومات الحيوية، واهتمام مملكة لحيان شعبًا وحكومة في توظيف مخرجاتها لخدمة سبل معاشهم واستقرار دولتهم، عاشت مملكة لحيان طوال تلك الفترة الزمنية في دعة من العيش، وسهل على حكامها توجيه نشاطهم إلى إعمار البلاد والاهتمام بالجوانب الحضارية وحمايتها من القلاقل أو النـزاعات  
 
شارك المقالة:
500 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook